كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 3)

وهذا يدلّ على أنّ رواية أمّ عطيّة الأولى من مرسل الصّحابة.
قوله: (ولَم يُعزم علينا) أي: ولَم يؤكّد علينا في المنع كما أكّد علينا في غيره من المنهيّات، فكأنّها قالت: كره لنا اتّباع الجنائز من غير تحريم.
وقال القرطبيّ: ظاهر سياق أمّ عطيّة أنّ النّهي نهي تنزيه، وبه قال جمهور أهل العلم. ومال مالك إلى الجواز , وهو قول أهل المدينة.
ويدلّ على الجواز. ما رواه ابن أبي شيبة من طريق محمّد بن عمرو بن عطاء عن أبي هريرة , أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان في جنازة , فرأى عمر امرأة فصاح بها , فقال: دعها يا عمر. الحديث. وأخرجه ابن ماجه والنّسائيّ من هذا الوجه، ومن طريق أخرى عن محمّد بن عمرو بن عطاء عن سلمة بن الأزرق عن أبي هريرة. ورجاله ثقات.
وقال المُهلَّب: في حديث أمّ عطيّة دلالة على أنّ النّهي من الشّارع على درجات.
وقال الدّاوديّ: قولها " نهينا عن اتّباع الجنائز " أي: إلى أن نصل إلى القبور، وقوله " ولَم يعزم علينا " أي: أن لا نأتي أهل الميّت فنعزّيهم ونترحّم على ميّتهم من غير أن نتّبع جنازته. انتهى.
وفي أخْذِ هذا التّفصيل من هذا السّياق. نظرٌ.
نعم: هو في حديث عبد الله بن عمرو بن العاص , أنّ النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - رأى فاطمة مقبلة فقال: مِن أين جئتِ؟ فقالت: رحّمت على أهل هذا الميّت ميّتهم. فقال: لعلك بلغت معهم الكُدى؟ قالت: لا. الحديث.

الصفحة 459