كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 3)

أحوالهم الصّالحة فيجتهدوا كاجتهادهم، ثمّ خلف من بعدهم خلوف جهلوا مرادهم , ووسوس لهم الشّيطان أنّ أسلافكم كانوا يعبدون هذه الصّور ويعظّمونها فعبدوها، فحذّر النّبيّ - صلى الله عليه وسلم - عن مثل ذلك سدّاً للذّريعة المؤدّية إلى ذلك.
وفي الحديث دليل على تحريم التّصوير، وحمل بعضهم الوعيد على من كان في ذلك الزّمان لقرب العهد بعبادة الأوثان، وأمّا الآن فلا. وقد أطنب ابن دقيق العيد في ردّ ذلك (¬1)
وقال البيضاويّ: لَمّا كانت اليهود والنّصارى يسجدون لقبور الأنبياء تعظيماً لشأنهم , ويجعلونها قبلة يتوجّهون في الصّلاة نحوها واتّخذوها أوثاناً , لعنهم ومنع المسلمين عن مثل ذلك، فأمّا من اتّخذ مسجداً في جوار صالح وقصد التّبرّك بالقرب منه لا التّعظيم له ولا التّوجّه نحوه. فلا يدخل في ذلك الوعيد (¬2).
¬__________
(¬1) قال ابن دقيق في كتابه " إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام " (1/ 377): وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور. ولقد أبعد غاية البعد مَن قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان، لقرب عهد الناس بعبادة الأوثان. وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده - لا يساويه في هذا المعنى. فلا يساويه في هذا التشديد - هذا أو معناه - وهذا القول عندنا باطل قطعاً. لأنه قد ورد في الأحاديث: الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصوّرين. وأنهم يقال لهم " أحيوا ما خلقتم " وهذه عِلَّة مخالفة لِمَا قاله هذا القائل , وقد صرَّح بذلك في قوله - صلى الله عليه وسلم - المشبهون بخلق الله , وهذه عِلَّة عامة مستقلة مناسبة. لا تخصُّ زماناً دون زمان. وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن يكون هو المراد، مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره. وهو التشبه بخلق الله. انتهى.
(¬2) قال الشيخ ابن باز (1/ 680): هذا غلط واضح , والصواب تحريم ذلك , ودخوله تحت الأحاديث الناهية عن اتخاذ القبور مساجد. فانتبه واحذر. والله الموفق.

الصفحة 476