كتاب فتح السلام شرح عمدة الأحكام من فتح الباري (اسم الجزء: 3)

عبادتهم، ويتناول من اتّخذ أمكنة قبورهم مساجد بأن تنبش وترمى عظامهم، فهذا يختصّ بالأنبياء ويلتحق بهم أتباعهم.
وأمّا الكفرة. فإنّه لا حرج في نبش قبورهم، إذ لا حرج في إهانتهم. ولا يلزم من اتّخاذ المساجد في أمكنتها تعظيم، فعرف بذلك أن لا تعارض بين فعله - صلى الله عليه وسلم - في نبش قبور المشركين واتّخاذ مسجده مكانها (¬1) , وبين لعنه - صلى الله عليه وسلم - من اتّخذ قبور الأنبياء مساجد لِمَا تبيّن من الفرق.
تكميل: قال ابن بطال: لَم أجد في نبش قبور المشركين لتُتخذ مسجداً نصاً عن أحد من العلماء، نعم اختلفوا. هل تُنبش بطلب المال؟. فأجازه الجمهور. ومنعه الأوزاعي، وهذا الحديث حجة للجواز، لأنَّ المشرك لا حرمة له حيا ولا ميتاً.
قوله: (اليهود والنصارى) وقد استُشكل ذكر النّصارى فيه؛ لأنّ اليهود لهم أنبياء بخلاف النّصارى. فليس بين عيسى وبين نبيّنا - صلى الله عليه وسلم - نبيّ غيره. وليس له قبر.
الجواب الأول: أنّه كان فيهم أنبياء أيضاً , لكنّهم غير مرسلين كالحواريّين ومريم في قولٍ.
¬__________
(¬1) أي: حديث أنس. أخرجه البخاري (428) ومواضع أخرى , ومسلم (1201) في قصة قدوم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة وشراء أرض المسجد من الأنصار. وفيه " وأنه أمر ببناء المسجد، فأرسل إلى ملإ من بنى النجار فقال: يا بنى النجار ثامنونى بحائطكم هذا. قالوا: لا والله. لا نطلب ثمنه إلاَّ إلى الله. فقال أنس: فكان فيه ما أقول لكم، قبور المشركين، وفيه خرب، وفيه نخل، فأمر النبى - صلى الله عليه وسلم - بقبور المشركين فنُبشت، ثم بالخرب فسُويت، وبالنخل فقُطع، فصفّوا النخل قبلة المسجد، وجعلوا عضادتيه الحجارة، وجعلوا ينقلون الصخر .. الحديث "

الصفحة 479