كتاب سلسلة جهاد شعب الجزائر (اسم الجزء: 3)

فيما وراء البحار، فقد كونت الثورة وما أعقبها من حروب (الحروب النابوليونية) أجهزة عسكرية ضخمة تطمح لإثبات وجودها من جهة وللتعويض عما فقدته فرنسا في عهود الملكية من مستعمرات فيما وراء البحار (انتزعتها من قبضتها بريطانيا بفضل قدرتها العسكرية المتعاظمة في البحر). ومن الملاحظ أن معظم القادة (الجنرالات) كانوا من الذين خاضوا الحروب تحت راية نابليون بونابرت.
ثانيها: وجود محرض اقتصادي أبرزته القدرة الصناعية المتعاظمة والحاجة للأسواق الخارجية وظهر ذلك بوضوح تام منذ أن وطئت أقدام الغزاة أرض الجزائر.
ثالثها: وجود محرض ديني يشكل حافزا قويا لتغطية عملية الاستعمار القذرة بغطاء ديني (إيديولوجي) فاصل، واستخدام هذا الحافز لتحريض المقاتلين على تنفيذ عملياتهم بوحشية وقسوة (وهذا ما يترجم أو يفسر عملية الإبادة الوحشية للمسلمين والإعتداء على مقدساتهم ومساجدهم وأوقافهم). وعلى الرغم من أن هذا المحرض قد يحتل المرتبة الثالثة بعد العاملين السابقين، إلا أنه احتل المرتبة الأولى عند التطبيق العملي والممارسة الواقعية، وذلك لأن النجاح في تحقيق أهداف المحرضين أو العاملين السابقين إنما يرتبط بالقدرة على تدمير المقاومة الجزائرية. وتدمير هذه المقاومة يرتبط بدوره بحرمانها من قاعدتها الدينية الصليبية وإضعاف هذه القاعدة بإحلال قيم جديدة تحمل ظواهر (حضارية) خادعة. وعندما يتساوى الطرفان المتصارعان - أو يلتقيان - على القاعدة المعنوية الجديدة، يبقى التفوق المادي في قبضة الإرادة الاستعمارية التي يمكن لها حسم الصراع النهائي لمصلحتها.

الصفحة 165