كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)

فمن خلال ظهور محاولات لإعادة الاستقطاب في العلاقات الدولية باسم العولمه الامبرياليه للاقتصاد، في مواجهة الهويات الثقافية أو الدينيه والتاريخية للحضارات الأخرى كافة، تنبع الضرورة بوحدة أوروبا واسيا وأمريكا المسماة باللاتينية لإفشال محاولة أمريكا للقضاء على مراكز المقاومة، سواء على الصعيد العسكري أو الاقتصادي أو الديني أو الثقافي، الذي يتعدد في كل القارات. أن مناورات أمريكا لتفتيت المراكز الصلبة في كل بقاع الكوكب تظهر في تشجيع الصراع بين الكوريتين، وتايوان ضد الصين، والهند ضد باكستان، وذلك بهدف إيجاد مبرر لتدخل القوات الأمريكيه (¬1).
إن تهديداً واحداً للتوازن يحدق اليوم بالكوكب: أميركا نفسها التي تحولت من حامية إلى نهابة. فالعسكريتارية الاستعراضية الأمريكية قادت في نهاية الأمر إلى انشغال القوى الحقيقية التي هي أوروبا، اليابان وروسيا ودفعها من الآن فصاعداً إلى أن تتقارب فيما بينها. فقد بدأت أوروبا تعي أن روسيا ليست تهديداً إستراتيجياً لها بل أصبحت مساهمة في أمنها العسكري. ولما كانت القوى الحقيقية اليوم كما في الأمس هي سكانية، تربوية وأن السلطة الحقيقية اقتصادية. فلا داعي للانسياق وراء تسابق نحو التسلح مع أميركا يقود إلى التدخل ... في بلدان دون أهمية إستراتيجية حقيقية. فالتدخل العسكري إلى جانب الأميركيين ضد العراق لم يكن مقبولاً، حيث أنه لم تنجح أية دولة في القرن 20 في تنمية قوتها عبر الحرب أو عبر زيادة قواتها المسلحة. فأوروبا، اليابان وروسيا ستخسر كثيراً إن هي انخرطت في هذه اللعبة، فالولايات المتحدة خرجت منتصرة في القرن 20 لأنها وخلال حقبة طويلة من الزمن رفضت الدخول في الصراعات العسكرية في أوروبا. اذاً لنترك أميركا تنهك ما تبقى من طاقتها في (مكافحة الإرهاب)، كبديل للكفاح من أجل الحفاظ على هيمنة لم تعد موجودة. لان أمريكا إذا استمرت في تعنتها لإظهار قوتها الخارقة للعالم، فإنها تظهر في نهاية الأمر عجزها للعالم (¬2).
¬_________
(¬1) أمريكيا طليعة الإنحطاط- روجيه جارودى-ص31
(¬2) بعد الإمبراطورية: محاولة حول تفكك النظام الأميركي- المؤلف: إمانيول طود - كامبردج بوك ريفيوز

الصفحة 194