كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)

أساسيين يعتبر أولهما أن اختلاف أميركا وأوروبا (القديمة) في مواقفهما من القضايا الجيوبوليتيكية لا ينبثق من صدام حضارات جوهري بينهما، إنما هو نتيجة التفاوت في قدراتهما العسكرية. فقد كانت أوروبا تتمتع بالقوة (في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر) لكنها اليوم ضعيفة. وكانت أميركا في نشأتها ضعيفة لكنها اليوم فائقة القوة. لهذا فالطريقة التي تتصرف بها أوروبا اليوم, من تمسك بالمؤسسات الدولية، والتلويح بحق النقض (الفيتو) في مجلس الأمن، والإصرار على الإجماع الدولي ودور الدبلوماسية، هي بالضبط الطريقة التي انتهجتها الدول الضعيفة على الدوام ومن ضمنها الولايات المتحدة في أيام فتوتها. يقابل ذلك أن دبلوماسية المدافع، والتصرف كما لو كان المرء شرطياً للعالم، وعدم الركون إلى التقييدات التي يفرضها القانون الدولي، وكل التوجهات التي أظهرتها الولايات المتحدة مؤخراً، كانت وما تزال سبيل الدول القوية، وينطبق ذلك على دول أوروبا أيام مجدها تماماً كما ينطبق الآن على أميركا.
فأوروبا الراهنة، التي تملك القدرة على أن تكون قوية لكنها لا ترغب بذلك، ليس لها أن تتذمر عندما يمارس الآخرون الدور الطبيعي الذي تهبهم إياه القوة.
ويتابع كيغان فيقول: فتجربة أوروبا الفريدة في التعاون في فترة ما بعد الحرب، قد أكسبت أوروبا سذاجة أيديولوجية وحملتها إلى حالة من الرضى المطلق عن الذات. فالأوروبيون الذين يعيشون في جنة (ما بعد التاريخ) تحت الحماية الأميركية، لم يعودوا على استعداد للاعتراف بأن القوة الغاشمة ما تزال نافذة في العالم الذي يمتد خارج حدودهم. وقد استراحوا للعيش الهانىء، منصرفين إلى تجميع الثروات، ومهملين قدراتهم العسكرية، ومقتنعين بأن بوسع بقية العالم أن يحصل، عن طريق الإجماع وحكم القانون، على ما تسنى لهم الحصول عليه من خلال تلك الطريق. فأوروبا تحصد، وهي مستريحة، المكاسب الاقتصادية التي تتحقق من خلال تصدي أميركا للقيام بالأعمال (القذرة) وتخليص العالم من (الأشرار) الذين يهددونه. لذلك فان على أوروبا أن تصبح واقعية، وأن تتدرع بالقوة العسكرية، حيث يتوجب عليها إما أن تتكيف مع الظرف الجديد أو أن تغلق فمها.

الصفحة 227