كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)
حالة مواجهة مع الخلافة العباسية في العراق، وقد اقتسمتا فيما بينهما العالم الإسلامي. وكان النظامان العباسي والفاطمي يعانيان من الصراعات الداخلية والمؤامرات. وهما، في هذا، يشبهان النظام السياسي العربي المعاصر، المتجزئ، المنقسم على نفسه، المتصارع مع ذاته (¬1).
والغزوتان الصليبية والصهيونية تهدفان إلى حل بعض مشاكل المجتمع الغربي وتخفيف حدة تناقضاته. فالمجتمع الوسيط الغربي كان يخوض عملية بَعْث اقتصادي فتحت شهيته للاستيلاء على طرق التجارة المتجهة إلى الشرق. وهذا يشبه من بعض الوجوه، وإن كان بدرجة أقل، انفتاح شهية رجل أوربا الشره في القرن التاسع عشر الميلادي الذي لم يهدأ له بال إلا بعد أن وقع العالم كله في قبضته. وقد استخدمت أوربا كلا المشروعين، الصليبي والصهيوني، في التخلص مما أطلق عليه في القرن التاسع عشر الميلادي (الفائض البشري)، أي العناصر التي لم تستطع أن تحقق الحراك الاجتماعي داخل مجتمعاتها ولذا كانت تهدِّد السلام الاجتماعي ولم يكن هناك مفر من تصديرها للشرق حتى يحقق الغرب سلاماً اجتماعياً داخلياً. فالمشروع الصليبي كان يهدف أيضاً إلى تخليص أوربا من فائضها البشري الذي كان يهدد سلامها الاجتماعي حسب تصوُّر البعض على الأقل.
ومن نقط التشابه الأخرى أن المشروعين الصليبي والصهيوني مشروعان استعماريان من النوع الاستيطاني الإحلالي. فالمشروع الصليبي كان يهدف إلى تكوين جيوب بشرية غربية وممالك فرنجية تدين بالولاء الكامل للعالم الغربي. ولذا، لم تأت الجيوش وحسب، وإنما أتى معها العنصر البشري الغربي المسيحي ليحل محل العنصر البشري العربي الإسلامي. وهو في هذا لا يختلف عن المشروع الصهيوني إلا في بعض التفاصيل. فغزو فلسطين تم أولاً على يد القوات البريطانية، ثم حَضَر المستوطنون الصهاينة بعد ذلك بوصفهم عنصراً يقوم بالزراعة والقتال. وقد كانت المؤسسات الاقتصادية للصليبيين، مثلها مثل قرينتها الإسرائيلية، تتسم بطابع عسكري. كما أن التنظيم الاقتصادي التعاوني لم يكن مجهولاً لدى الصليبيون.
¬_________
(¬1) انظر: مستقبل اسرائيل بين الاستئصال والتذويب "دراسة حول المشابهة التاريخية بين الغزوة الصليبية والغزوة الصهيونية"- كمال محمد الاسطل - ص 30 - دار الموقف العربي للصحافة والنشر والتوزيع - القاهرة
الصفحة 248
299