كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)

ويمكن القول بأن دويلات الصليبيون، مثلها مثل الدولة الصهيونية، كانت ترسانات عسكرية في حالة تأهب دائم للدفاع عن النفس وللتوسع كلما سنحت لها الفرصة. ويُلاحَظ أن كلاًّ من ممالك الصليبيون والدولة الصهيونية، بسبب طبيعتها الإحلالية، خلقت مشكلة لاجئين. كما يُلاحَظ أن هؤلاء اللاجئين تحوَّلوا إلى وقود جنَّد سكان المنطقة ضد الدولة القلعة (¬1).
ومن المعروف أن الكيانات الاستيطانية لا تفقد صلتها قط بالوطن الأم بل تعتمد عليه اعتماداً يكاد يكون كاملاً لأنها، بسبب تناقضها الجوهري مع البيئة المحلية التي تلفظها، تستمد مقومات الحياة من دعم عسكري ومالي وهوية ثقافية ومادة بشرية من وطنها الأصلي. وهذه سمة أساسية في الكيانين الصليبي والصهيوني، مع تنويعات فرعية تنصرف إلى التفاصيل لا الجوهر. فمثلاً اعتمدت ممالك الصليبيون على كل أوربا كمصدر للدعم، ولكن اعتمادها كان على فرنسا بالدرجة الأولى. وكذلك، فإن الدولة الصهيونية التي اعتبرت أوربا قاعدتها الإستراتيجية واعتمدت على معظم دول العالم الغربي الرأسمالي مع التركيز على بلد واحد هو إنجلترا ثم فرنسا لفترة قصيرة وأخيراً الولايات المتحدة منذ منتصف الستينيات. ومع سقوط الاشتراكية في الاتحاد السوفيتي تطرح الدولة الصهيونية نفسها باعتبارها قاعدة للحضارة الغربية كلها في مواجهة العالم الإسلامي. ويشير أحد الدارسين الإسرائيليين إلى أنه كان هناك جباية صليبية موحدة تماماً مثل الجباية اليهودية الموحَّدة.
وقد جاءت المادة البشرية لكلا المشروعين من العالم الغربي. ولكنهما، مع هذا، لم يحققا التجانس العرْقي المطلوب لتحقيق شيء من التوازن داخل التجمُّع الاستيطاني، فتولدت درجة عالية من التوتر. فممالك الصليبيون كانت تضم في بادئ الأمر عنصراً فرنسياً غالباً بالإضافة إلى عنصر إيطالي انقسم بدوره إلى جنوي وبندقي نسبة إلى جنوة والبندقية. ولكن عناصر أخرى انضمت إلى هذين العنصرين، مثل: الأرمن وبعض العناصر المسيحية المحلية والمسلمين الذين تنصروا. كما أن ممالك الصليبيون نفسها استوعبت، بمرور الزمن، العناصر الثقافية من البيئة
¬_________
(¬1) الموسوعة الصهيونية - د. عبد الوهاب المسيري المجلد السادس ص 107

الصفحة 249