كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)

نقاط التشابه هذه لتضم الديباجات والقصد. فقد قُدِّمت تبريرات للمشروعين وتم الدفاع عنهما عن طريق ديباجات دينية تستخدم الرموز الدينية وتوظفها في عملية التعبئة العسكرية. والرموز الدينية المستخدمة هي في واقع الأمر رموز عرْقية أو إثنية أو قومية رغم طلائها الديني اللامع. ومن هنا كانت عنصرية الديباجات الصليبية والصهيونية. ومن هنا أيضاً كان تمييزها الحاد بين البشر وتقسيمهم إلى أدنى وأعلى، أو حاضر وغائب، أو فئة لها كل الحقوق وفئة لا حقوق لها على الإطلاق ... إلخ. وهذا مختلف تماماً عن إيمان الديانات التوحيدية الثلاث بالمساواة بين البشر والتي تصدُر عن الإيمان بأننا نولد جميعاً من آدم وآدم من تراب. ويُلاحَظ أن ديباجات الصليبيون والصهاينة ترى غزو فلسطين في إطار فكرة أن الغزاة شعب مقدَّس أو مختار. وكان يسيطر على كل من الصليبيون والصهاينة تفكير نخبوي يجعل زعماءهم ينظرون إلى أنفسهم على أنهم طلائع شعوبهم التي ستحمل السلام لتخلِّص الأرض المقدَّسة، وأن هذه الحملة العسكرية إن هي إلا خروج ثان يشبه خروج العبرانيين من مصر إلى كنعان. وقد ارتبطت الديباجات في كلا المشروعين بالأحلام الألفية في استرجاع فلسطين بعد عودة المسيح أو تمهيداً لعودته (¬1).

مركزية حملات الصليبيون في الوجدان الصهيوني/الإسرائيلي
تستخدم الحركة الصهيونية التاريخ بمختلف مناهجه لدراسة ظاهرة الحروب الصليبية أو) تاريخ المملكة اللاتينية (كما يحلو لمؤرخيهم تسميتها، اذ ان هناك مؤسسات علمية بحثية تقوم بتنظيم فرق بحث لدراسة تاريخ الحملات الصليبية لتستخلص منها العبر، ومن خلال استخلاص تلك العبر تقوم بالكشف والتنقيب عن النموذج المماثل لها في التاريخ ليتم الكشف عن اوجه التشابه بين التجربتين. حيث التمزق والتشرذم الذي تعانيه الامة آنذاك، وتعانيه اليوم، وبالصورة نفسها بل اكبر وبشكل مكثف جداً وابشع على الرغم من انتصار الصليبيين آنذاك لم يكن تعبيراً حقيقياً عن موازين القوى، فقد كانت الجيوش العربية، وموارد المنطقة البشرية
¬_________
(¬1) الموسوعة الصهيونية - د. عبد الوهاب المسيري المجلد السادس ص 109

الصفحة 252