كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)
تكفل هزيمه ساحقة إذا ما جمعتها جهة موحدة، وهو ما حدث بالفعل بعد ذلك، ولكن التشرذم العربي، بل ومساندة بعض المسلمين للجيوش الصليبية، وميراث الحقد والشك والضغائن بين حكام المنطقة جعلت انتصار الصليبيين امراً منطقياُ. وهذا من أهم عوامل انشغال الوعي الصهيوني بهذه الحروب وبتلك الحملات، حيث أخذت حيزاً مهماً من انشغال العاملين في الابحاث الاستشراقية والصراعية، فتتم دراسة الوقائع والتطورات والعبر ذات الصلة بالحملات الصليبية ومواجهتها، ودراسة الظروف العربية التي سبقت وسادت القرنيين الثاني عشر والثالث عشر، والوقوف ملياً عند معركة حطين عام 1187م: مقدماتها ومجرياتها ونتائجها والدروس المستخلصة منها، مع محاولة صهيونية مكشوفة لتزوير التاريخ بجانب أو بآخر مما يتصل بالفترة المدروسة (¬1).
ونظراً للتشابه بين المشروعين الصليبي والصهيوني، ونظراً لأن كليهما اتخذ فلسطين ساحة لتنفيذ أحلامه، نجد أن الوجدان الصهيوني منشغل إلى أقصى حد بالمشروع الصليبي، وخصوصاً أن الصليبيون قد رحلوا ولم يتركوا شيئاً خلفهم سوى بعض القلاع التي يزورها السائحون ويدرسها علماء الآثار من الإسرائيليين والعرب. ويحاول الدارسون الصهاينة أن ينظروا إلى مشروع الصليبيون من منظور ما يسمونه (التاريخ اليهودي) وكأن حملات الصليبيون جُرِّدت بالدرجة الأولى ضد اليهود، تماماً مثلما يمنحون الجماعات اليهودية مركزية في كل الأحداث التاريخية. وتتحدث الكتابات الصهيونية الإسرائيلية عن ضحايا حملات الصليبيون وكأنهم الضحايا الوحيدون، بل تدَّعى بعضها دوراً يهودياً مستقلاًّ في صد الصليبيون، وهو الأمر الذي يتنافى تماماً مع حقائق التاريخ. ولكن أهم جوانب الاهتمام الصهيوني الإسرائيلي بالكيان الصليبي هو دراسته من منظور الصراع العربي الإسرائيلي، بمعنى عَقْد الدراسات المقارنة في مشاكل الاستيطان ومشاكل الموارد البشرية والعلاقات الدولية فضلاً عن محاولة فَهْم عوامل الإخفاق والفشل التي أودت بالكيان الصليبي. وهناك من يهتم بدراسة المقومات البشرية والاقتصادية والعسكرية للكيان
¬_________
(¬1) الاستشراق و ابحاث الصراع لدى اسرائيل - ابراهيم عبد الكريم ـ ص 226 - دار الجليل، 1993.
الصفحة 253
299