كتاب الحملة الصليبية على العالم الإسلامي والعالم (اسم الجزء: 3)

لفلسطين، ولكن على اي حال لا يدل على اهتمام علمي مجرد بالوجود الصليبي في الشرق بعامة بل ينحصر ذلك في الكيان الذي قام في الاراضى المقدسة. ويستاء الصهيونيون من مقارنة حركتهم بالحركة الصليبية لما تتضمنه تلك المقارنه من جعل اسرائيل عنصراً دخيلاً على الشرق سيلفظه كما لفظ الدولة الصليبية من قبل. ونعتقد ان تشريحهم للكيان الصليبي يستهدف استخلاص العبر التى تمكنهم من تجنب ذلك المصير، ونرى انهم نجحوا بالفعل في تفادي اخطاء الصليبيين في عدة نواح اساسية (¬1).
والاهتمام الصهيوني بالحروب الصليبية لا يقتصر على الدوائر الأكاديمية، فنجد أن شخصيات سياسية عامة مثل رابين وديان وأفنيري يهتمون بمشاكل الاستيطان والهجرة. ففي سبتمبر 1970، عقد إسحق رابين مقارنة بين ممالك الصليبيون والدولة الصهيونية حيث توصَّل إلى أن الخطر الأساسي الذي يهدد إسرائيل هو تجميد الهجرة، وأن هذا هو الذي سيؤدي إلى اضمحلال الدولة بسبب عدم سريان دم جديد فيها. ويعقد أفنيري في كتابه إسرائيل بدون صهيونية (1968) مقارنة مستفيضة بين ممالك الصليبيون والدولة الصهيونية يخلص فيها إلى أن المقارنة درس لابد أن يتعلم منه الصهاينة، فإسرائيل مثل ممالك الصليبيون مُحاصَرة عسكرياً لا لأن هذا هو المصير الموعود (الذي لا مفر منه) كما يتصور بعض الصهاينة، وإنما هي مُحاصَرة عسكرياً لأنها تجاهلت الوجود الفلسطيني ورفضت الاعتراف بأن أرض الميعاد يقطنها العرب منذ مئات السنين.
وقد عاد أفنيري إلى الموضوع، عام 1983، بعد الغزو الصهيوني للبنان، في مقال نشر في (هاعولام هزاى) بعنوان (ماذا ستكون النهاية) فأشار إلى أن ممالك الصليبيون احتلت رقعة من الأرض أوسع من تلك التي احتلتها الدولة الصهيونية، وأن الصليبيون كانوا قادرين على كل شيء إلا العيش في سلام، لأن الحلول الوسط والتعايش السلمي كانا غريبين على التكوين الأساسي للحركة. وحينما كان جيل جديد يطالب بالسلام كانت مجهوداتهم تضيع سدى مع قدوم تيارات جديدة من
¬_________
(¬1) الشبه بين الحرب الصلبيبية والحركة الصهيونية- عبد اللطيف زكي ابو هاشم - مجلة الفيصل - عدد 334 - ص38

الصفحة 256