كتاب شرح مختصر خليل للخرشي (اسم الجزء: 3)

لَا خَنْقٌ وَلَا نَهْشٌ فَالذَّكَاةُ بِمَعْنَى التَّذْكِيَةِ فَتَشْمَلُ الذَّبْحَ وَأَشَارَ بِقَوْلِهِ (مُمَيِّزٌ يُنَاكِحُ) إلَى أَنَّ صِفَةَ الذَّابِحِ أَمْرَانِ فَخَرَجَ بِالْأَوَّلِ الْمَجْنُونُ وَالسَّكْرَانُ حَالَ إطْبَاقِهِمَا فَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُمَا وَمِثْلُهُمَا الصَّبِيُّ غَيْرِ الْمُمَيِّزِ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُمْ وَبِعِبَارَةٍ أُخْرَى قَوْلُهُ مُمَيِّزٌ صِفَةٌ لِمَوْصُوفٍ مَحْذُوفٍ أَيْ شَخْصٌ مُمَيِّزٌ فَيَشْمَلُ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى وَالْفَحْلَ وَالْخُنْثَى وَالْخَصِيَّ وَالْفَاسِقَ وَإِنْ كَانَ بَعْضُ هَذِهِ مَكْرُوهًا وَالْمُؤَلِّفُ تَنَزَّلَ لَهُ بَعْدُ وَخَرَجَ بِالثَّانِي الْمُرْتَدُّ وَلَوْ لِدِينِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمَجُوسِيُّ وَهُوَ عَابِدُ النَّارِ الْقَائِلُ بِأَنَّ لِلْعَالَمِ أَصْلَيْنِ نُورًا وَظُلْمَةً فَالنُّورُ إلَهُ الْخَيْرِ وَلِأَجْلِهِ يَسْتَدِيمُونَ وُقُودَ النَّارِ وَالظُّلْمَةُ إلَهُ الشَّرِّ وَقِيلَ الْمَجُوسِيُّ فِي الْأَصْلِ النَّجُوسِيُّ وَالْمِيمُ وَالنُّونُ يَتَعَاقَبَانِ كَالْغَنَمِ وَالْغَنَنِ لِأَنَّهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَضُرُّ فِي دِينِهِمْ أَيْ أَنَّ دِينَهُمْ يُبِيحُ اسْتِعْمَالَهَا لَا لِتَدَيُّنِهِمْ بِاسْتِعْمَالِ النَّجَاسَةِ وَدَخَلَ فِي قَوْلِهِ يُنَاكِحُ أَيْ يَحِلُّ لَنَا وَطْءُ نِسَائِهِ فِي الْجُمْلَةِ الْمُسْلِمُ وَالْكِتَابِيُّ مُعَاهَدًا أَوْ حَرْبِيًّا حُرًّا أَوْ عَبْدًا ذَكَرًا أَوْ أُنْثَى وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْكِتَابِيِّ الْآنَ وَمَنْ تَقَدَّمَ عَلَى الْمَشْهُورِ وَانْدَفَعَ بِقَوْلِنَا أَيْ يَحِلُّ لَنَا مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ لَفْظِ يُنَاكِحُ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ وَهُوَ أَنْ يَحِلَّ لَنَا وَلَهُ فَلَا يَشْمَلُ إلَّا مُسْلِمٌ وَيَخْرُجُ الْكِتَابِيُّ لِأَنَّهُ لَا يَحِلُّ لَهُ وَطْءُ نِسَائِنَا وَهُوَ مَعْنَى مَنْ قَالَ إنَّ الْمُفَاعَلَةَ عَلَى غَيْرِ بَابِهَا أَوْ يُقَالُ الْمُفَاعَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ عَلَى الْكِتَابِيَّةِ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ اثْنَيْنِ وَبِقَوْلِنَا فِي الْجُمْلَةِ مَا قَدْ يُتَوَهَّمُ مِنْ خُرُوجِ الْأَمَةِ الْكِتَابِيَّةِ إذْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ أَحْرَزَ هَذَا الْمَعْنَى

(ص) تَمَامُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ الْمُقَدَّمِ بِلَا رَفْعٍ قَبْلَ التَّمَامِ (ش) إضَافَةُ تَمَامُ إلَى الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ إلَى الْمَوْصُوفِ أَيْ الْحُلْقُومِ التَّامِّ وَلَوْ قَالَ جَمِيعٌ كَانَ أَبَيْنَ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ مَحَلُّ تَمَامٍ لِأَنَّ تَمَامَ عَرَضٌ لَا يُقْطَعُ وَالْمَعْنَى أَنَّ شَرْطَ صِحَّةِ الذَّكَاةِ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ لِجَمِيعِ الْحُلْقُومِ وَهِيَ الْقَصَبَةُ الَّتِي هِيَ مَجْرَى النَّفَسِ وَلِجَمِيعِ الْوَدَجَيْنِ وَهُمَا عِرْقَانِ فِي صَفْحَتَيْ الْعُنُقِ يَتَّصِلُ بِهِمَا أَكْثَرُ عُرُوقِ الْبَدَنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَوْلُهُ فَالذَّكَاةُ بِمَعْنَى التَّذْكِيَةِ) إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْ الذَّكَاةِ مَعْنَاهَا الْأَصْلِيَّ وَهُوَ الْهَيْئَةُ الْحَاصِلَةُ مِنْ فِعْلِ الْفَاعِلِ فَإِذَا قَطَعَ الْحُلْقُومَ وَالْوَدَجَيْنِ مَثَلًا فَتُسَمَّى هَذِهِ الْهَيْئَةُ ذَكَاةٌ وَقَطْعُ الْحُلْقُومِ وَالْوَدَجَيْنِ تَذْكِيَةٌ إلَّا أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا بِالذَّكَاةِ التَّذْكِيَةُ هَكَذَا قَرَّرَ (قَوْلُهُ فَتَشْمَلُ الذَّبْحَ) ظَاهِرُ الْعِبَارَةِ أَنَّ شُمُولَ الذَّكَاةِ لِلْأَمْرَيْنِ إنَّمَا جَاءَ مِنْ تَفْسِيرِهَا بِالتَّذْكِيَةِ وَلَوْ بَقِيَتْ عَلَى ظَاهِرِهَا لَمْ تَكُنْ شَامِلَةً لِلْأَمْرَيْنِ بَلْ قَاصِرَةً عَلَى أَحَدِهِمَا وَكَأَنَّهُ يَقُولُ الْمُتَبَادِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الذَّبْحُ وَبَعْدُ فَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا تَشْمَلُ الْعَقْرَ وَهُوَ كَذَلِكَ لِأَنَّ شَرْطَهُ الْإِسْلَامُ فَالْمُرَادُ الذَّكَاةُ الَّتِي فِي الذَّبْحِ وَالنَّحْرِ.
(قَوْلُهُ حَالَ إطْبَاقِهِمَا) أَيْ وَأَمَّا السَّكْرَانُ الَّذِي يُخْطِئُ وَيُصِيبُ فَذَكَرَ فِيهِ ابْنُ رُشْدٍ خِلَافًا وَالْمَذْهَبُ أَنَّ ذَبِيحَتَهُ لَا تُؤْكَلُ لِغَيْرِهِ وَأَمَّا هُوَ فَهُوَ مَوْكُولٌ إلَى حَالِهِ فِي الْبَاطِنِ أَيْ إلَى مَا يَعْلَمُهُ مِنْ نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ ذَبَحَ فِي حَالَ إفَاقَتِهِ أَكَلَهَا وَإِلَّا فَلَا ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الَّذِي يُخْطِئُ وَيُصِيبُ يُقَالُ لَهُ مَشْكُوكٌ فِي ذَكَاتِهِ وَقِيلَ إنْ ادَّعَى التَّمْيِيزَ يُكْرَهُ لَنَا أَنْ نَأْكُلَ ذَبِيحَتَهُ وَأَمَّا إنْ لَمْ يَدَّعِهِ يَحْرُمُ وَعَوَّلَ عَلَى هَذَا عج (قَوْلُهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ مِنْهُمْ) أَيْ لِعَدَمِ صِحَّةِ النِّيَّةِ مِنْهُمْ (قَوْلُهُ وَهُوَ عَابِدُ النَّارِ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَوْلَى أَنْ يُرَادَ بِالْمَجُوسِ هُنَا مَعْنَى أَعَمُّ شَامِلٌ لِعَابِدِ النَّارِ وَعَابِدِ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ فَتَدَبَّرْ.
(قَوْلُهُ وَلِأَجْلِهِ يَسْتَدِيمُونَ إلَخْ) ظَاهِرُ تِلْكَ الْعِبَارَةِ أَنَّ نُورَ النَّارِ الَّتِي تُقَادُ هُوَ الْإِلَهُ وَلِابْنِ قَاسِمٍ أَنَّهُ نُورٌ آخَرُ (أَقُولُ) وَكَأَنَّ هَذَا النُّورَ مُشَابِهٌ لِلنُّورِ الْمُدَّعَى أَنَّهُ إلَهٌ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّهُمْ إلَخْ) تَعْلِيلٌ لِقَوْلِهِ وَقِيلَ: الْمَجُوسِيُّ فِي الْأَصْلِ النَّجُوسِيُّ (قَوْلُهُ لَا لِتَدَيُّنِهِمْ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عِبَادَةً (قَوْلُهُ يَحِلُّ لَنَا وَطْءُ نِسَائِهِ فِي الْجُمْلَةِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ لَمَّا فَسَّرَ النِّكَاحَ بِالْوَطْءِ لَا حَاجَةَ لِقَوْلِهِ فِي الْجُمْلَةِ (قَوْلُهُ عَلَى الْمَشْهُورِ) أَيْ خِلَافًا لِلطُّرْطُوشِيِّ فِي اخْتِصَاصِهِ بِمَنْ تَقَدَّمَ فَإِنَّ هَؤُلَاءِ قَدْ بَدَّلُوا فَلَا يُؤْمَنُ أَنْ تَكُونَ الذَّكَاةُ مِمَّا بَدَّلُوهُ وَرَدَّ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمْ إلَّا مِنْهُمْ وَهُمْ مُصَدَّقُونَ فِيهِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ يُقَالُ الْمُفَاعَلَةُ بِاعْتِبَارِ الْعَقْدِ) لَا يَخْفَى مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّسَامُحِ وَذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا كَانَتْ الْمُفَاعَلَةُ عَلَى بَابِهَا يَكُونُ الْمَعْنَى نُعَاقِدُهُ وَيُعَاقِدُنَا أَيْ يَقَعُ الْعَقْدُ مِنَّا لَهُ وَيَقَعُ الْعَقْدُ مِنْهُ لَنَا وَمِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّهُ لَا يُتَصَوَّرُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ مِنَّا لَهُ وَمِنْهُ لَنَا فَيَعُودُ الْمَحْذُورُ مِنْ كَوْنِنَا نُزَوِّجُهُ نِسَاءَنَا.
(قَوْلُهُ إذْ لَا يَحِلُّ نِكَاحُهَا) أَيْ الْعَقْدُ عَلَيْهَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَلْتَئِمُ مَعَ مَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ أَنَّهُ أَرَادَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءَ (قَوْلُهُ وَإِنْ أُرِيدَ بِالنِّكَاحِ الْوَطْءُ إلَخْ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ فِي حِلِّهِ مَا فَسَّرَ النِّكَاحَ إلَّا بِالْوَطْءِ وَكَلَامُهُ يَقْتَضِي خِلَافَ ذَلِكَ فَتَدَبَّرْ. وَقَوْلُهُ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ الْمُشَارُ لَهُ بِقَوْلِهِ وَبِقَوْلِنَا فِي الْجُمْلَةِ فَيَكُونُ إشْكَالُ الْمُفَاعَلَةِ جَارِيًا مُطْلَقًا أَيْ أَرَدْنَا بِالنِّكَاحِ الْعَقْدَ أَوْ الْوَطْءَ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَيَحْتَمِلُ أَنَّ مُرَادَهُ بِقَوْلِهِ هَذَا الْمَعْنَى أَيْ الْمَعْنَى بِتَمَامِهِ مِنْ أَنَّ الْمُرَادَ يَحِلُّ لَنَا وَطْءُ نِسَائِهِ إلَخْ وَإِنَّ الْمُفَاعَلَةَ لَا تُعْقَلُ إلَّا إذَا أَرَدْنَا بِالنِّكَاحِ الْعَقْدَ لَكِنْ إنْ أَرَادَ هَذَا فَلَا يَسْلَمُ لَهُ لِأَنَّ الْمُفَاعَلَةَ تَأْتِي مُطْلَقًا

(قَوْلُهُ مِنْ إضَافَةِ الصِّفَةِ) تَسَامُحٌ أَيْ لِأَنَّ الصِّفَةَ إنَّمَا هِيَ تَمَامٌ (قَوْلُهُ كَانَ أَبَيْنَ) أَيْ لِأَنَّهُ يُغْنِي عَنْ ارْتِكَابِ إضَافَةِ الصِّفَةِ لِلْمَوْصُوفِ أَوْ يُقَدَّرُ مُضَافٌ أَيْ مَحَلُّ تَمَامِ وَالْمَحَلُّ هُوَ نَفْسُ الْحُلْقُومِ (قَوْلُهُ لِأَنَّ تَمَامَ عَرَضٌ) فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ الْمُتَبَادَرَ مِنْ تَمَامِ الْجُزْءِ الْأَخِيرِ مِنْ الشَّيْءِ (قَوْلُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَطْعُ لِجَمِيعِ الْحُلْقُومِ إلَخْ) اشْتِرَاطُ قَطْعِ الْحُلْقُومِ مُخْرِجٌ لِلْغُلْصُمَةِ بِالْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَالصَّادِ أَوْ السِّينِ وَهِيَ الَّتِي تُحَازِ الْجَوْزَةَ لِلْبَدَنِ فَلَا تُؤْكَلُ وَهُوَ الْمَشْهُورُ لِأَنَّهُ لَمْ يُذْبَحْ فِي الْحُلْقُومِ وَإِنَّمَا ذُبِحَ فِي الرَّأْسِ وَلَا فَرْقَ فِي مَنْعِ الْأَكْلِ بَيْنَ غَنِيٍّ وَفَقِيرٍ وَلَوْ بَقِيَ مِنْ الْجَوْزَةِ مَعَ الرَّأْسِ قَدْرُ حَلْقَةِ الْخَاتَمِ أُكِلَتْ وَلَوْ بَقِيَ قَدْرُ نِصْفِ الدَّائِرَةِ جَرَى عَلَى الْخِلَافِ فِي اعْتِبَارِ نِصْفِ الْحُلْقُومِ وَلَغْوِهِ (قَوْلُهُ وَهِيَ الْقَصَبَةُ الَّتِي هِيَ مَجْرَى النَّفَسِ) كَذَا فِي التَّوْضِيحِ وَالْجَوَاهِرِ وَفِي الْجَوْهَرِيِّ هُوَ الْحَلْقُ

الصفحة 3