كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

وأن تفتح قريش صفحة جديدة مع المسلمين وتعترف بكيانهم ودولتهم، ويسود الأمن والود بين الفريقين. ويفتح باب الحوار الجديد مع قادة مكة من موقع القوة. إنه نصر ساحق ولا شك.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية: ماذا يعني إصرار المسلمين على دخول مكة عنوة.
إن أول معانيه، أن يكون الحقد والثأر هو الذي يطبع نفوس أهل مكة جميعا. وهذا يسد إلى فترة غير قليلة باب الدخول في الإسلام أو التفكير به.
وما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يغيب عن قلبه أبدا رغبته في إسلام أهل مكة. وهذه خسارة فادحة. وأن تقع معركة غير متكافئة يسقط فيها مئات الشهداء من المسلمين لدخول مكة. وهم قرة عينه وخيرة جنده، فهذه خسارة فادحة ثانية.
وأمام هذه التوازنات جميعا وبتسديد الوحي. كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماض في خطته، لا يراوده فيها أدنى شك نلحظ ذلك من خلال إجابته الواضحة الصارمة لعمر بن الخطاب: (أنا عبد الله ورسوله، ولن أخالف أمره، ولن يضيعني). والملاحظ أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يفصح عما في نفسه إلا مضطرا وذلك أمام إلحاح المسلمين على دخول مكة. فأعاد لهم شريط الأحداث، لينتقلوا منه ومعه إلى النصر الجديد القادم.
(أنسيتم يوم أحد إذ تصعدون ولا تلوون على أحد وأنا أدعوكم في أخراكم؟ أنسيتم يوم الأحزاب، إذ جاؤوكم من فوقكم ومن أسفل منكم وإذ زاغت الأبصار وبلغت القلوب الحناجر، أنسيتم يوم كذا، أنسيتم يوم كذا؟ والمسلمون يقولون: صدق الله ورسوله، يا نبي الله ما فكرنا فيما فكرت فيه، ولأنت أعلم بالله وبأمره منا).
وعودة إلى نصوص المعاهدة، نلحظ من خلالها أول اعتراف رسمي من قريش بدولة الإسلام. إنه اعتراف بالدولة وليس اعترافا بالرسالة ومن أجل هذا ناقشوا كثيرا بـ (الرحمن الرحيم) وبـ (رسول الله) ولكنا الخطوة الأولى على الطريق وإيقاف الحرب عشر سنين تهيء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - وللمسلمين مجالا رحبا للانطلاق بالإسلام إلى العرب كل العرب دون مقاومة أومواجهة من أحد. فقد كانت العرب تنتظر مصير الحرب بين الفريقين. واقفة على الحياد ولا يجرؤ أي تجمع عربي على الانضمام لأحد الفريقين خوفا من غلبة الفريق الآخر، وإن كانت بعض القبائل العربية ظاهرت قريشا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لكن تلك المظاهرة كانت منطلقة من الثقة المطلقة بقوة قريش. أما بعد الأحزاب، وبعد فشل الهعجوم الضخم، إنتهت التحالفات العربية في المنطقة ضد الإسلام، وأيس الناس من إمكانية القضاء على الإسلام ورسول الإسلام.

الصفحة 35