كتاب المنهج الحركي للسيرة النبوية (اسم الجزء: 3)

2 - وكان من الممكن أن ينتهي أبو بصير رضي الله عنه لو اكتفى بنزوحه إلى المدينة وعودته إلى مكة مع صاحبيه اللذين جاءا لاستلامه غير أن هذه الإرادة برزت في الالحاح على قيادته أن لا يعود إلى الذل، وكان جواب النبي - صلى الله عليه وسلم -:
إنه لا يحل في ديننا الغدر، فاصبر واحتسب فإن الله جاعل لك فرجا ومخرجا.
وها هو يتلقى مبادىء ثلاثة من قيادة الدعوة:
المبدأ الأول: الوفاء بالعهود والمواثيق ولو مع المشركين المجرمين المعتدين.
المبدأ الثاني: إن مصلحة الجماعة فوق مصلحة الفرد، ولهذا الأمر كان هذا الشرط المجحف.
المبدأ الثالث: الثقة بالله وبموعوده أنه لا بد من فرج ومخرج بعون الله.
ولكنه لم يكن يدري أنه هو صاحب الفرج والمخرج، إذ أعده الله تعالى لذلك.
3 - ولعل إيحاءات إخوته في المدينة كانت أن لا يدع سبيلا للمقاومة إلا ويسلكها، ومن أجل ذلك بيت في نفسه أمرا وهو القضاء على هذين الصاحبين اللذين جاءا لإعادته إلى ربقة الذل والعبودية، وإعادته إلى قريش يفتنونه في دينه، ونفذ ما عزم عليه في حيلة بارعة توصل بها إلى سيف العامري وقتله به، ولحق بمولاه إلى المدينة.
4 - وكانت الخطوة الثالثة من التصميم عندما جاء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائلا له: وفت ذمتك يا رسول الله، وأدى الله عنك، وقد أسلمتني بيد العدو، وقد امتنعت بديني من أن أفتن، ويعبث بي أو أكذب بالحق.
وكانت هذه القوة الفية من أبي بصير منطلقا للتوجيه إلى الحرب الواسعة من خلال تخطيط محكم ومدد بالرجال بدلا أن تكون مبادرة فردية أو نزوة طارئة.
وحتى تبرؤ الذمة تماما قال عليه الصلاة والسلام لكوثر المولى الذي نجا: ترجع به إلى أصحابك فقال: يا محمد ما لي به قوة ولا يدان فقال - صلى الله عليه وسلم - لأبي بصير: اذهب حيث شئت.
لا بد من اختيار المكان، واختيار الرجال، والتخطيط لحرب طويلة الأمد، لكن المدينة ليست هي الأرض المناسبة لهذه الحرب. فالمدينة ملتزمة بمواثيق دولية مع مكة. ولا بد من اختيار أرض مناسبة لهذه الحرب والرجال ليسوا من المدينة. الرجال هم من رعايا مكة نفسها والمكان لا بد أن يقض مضجع مكة. فكان ذا المروة بالساحل.
ومن تمام الوفاء بالعهود والمواثيق الدولية من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه رفض تخميس سلب العاري لأن هذا يعني الإعتراف بشرعية انتمائه للمدينة وهذا الانتماء غير شرعي. فلا بد من

الصفحة 42