كتاب جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (اسم الجزء: 3)

___________________________________________________
………………………… السنة الأولى / العدد الثالث …………………………
قسنطينة يوم الاثنين 08 ربيع الثاني 1352 … Constantine le 31 juillet 1933
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
البقاء على الحياد
خذلان للحق ورضى بالباطل.
للأديب الفاضل الشيخ مصطفى بن حلوش العضو بالجمعية

ـ[عمود1]ـ
القوم أربعة: قوم عرفوا الحق فأظهروه وهم المؤمنون المتقون الذين يرجون رحمة ربهم ويخافون عذابه.
وقوم عرفوا الحق فأنكروه وهم الجاحدون العاطلون والأعداء الذين لا يرضى عنهم الله ولا يفرحون.
وقوم ما عرفوا الحق فأنكروه ولا عرفوا الباطل فأيدوه فهؤلاء قوم جاهلون وناس غافلون تقودهم الأيدي وتسخرهم العقول مرة لخير وأخرى لشر. وتارة لمعروف وطورا لمنكر وهم قوة الحق إذا ظهرت رجاله؛ وحماة الباطل إذا حضرت أبطاله.
وقوم عرفوا الحق وعرفوا الباطل وعرفوا مصدر كل واحد منهما وأدركوا عاقبة المحق وعاقبة المبطل فكان مما أدركوه أن عاقبة الأول الثواب وعاقبة الآخر العقاب! وإن مما كتب الله للمحقين الفوز والانتصار ومما كتبه للمبطلين

ـ[عمود2]ـ
الخيبة والاندحار.
هذا هو علمهم بالوجهين - وجه الحق ووجه الباطل - ومنتهى الإدراك منهم لعقبى الطائفتين - طائفة المحقين وطائفة المبطلين -
فهل كانوا للحق فأيدوه. وعلى الباطل فخذلوه؟ .. لا ... إذن كانوا للباطل على الحق ... لا ... وكيف كانوا؟
كانوا على حال لا يرضاها عقل ولا يقرها شرع وهي ما أسموه ((البقاء على الحياد)).
فما معنى البقاء على الحياد؟ معناه أن لا تمد يدك للحق فتنفعه, ولا تسلطها على الباطل فترفعه وإن شئت قلت هو خذلان للحق ورضي بالباطل! أو قل هو السكوت المطلق والكف الشامل عن قول وفعل الخير والشر.
ومن أسباب ((البقاء على الحياد))

ـ[عمود3]ـ
ضعف نفس صاحبه وقلة ثقته بالله ومنها تذبذبه ونفاقه وعدم ثباته على حال.
وإن الذي لا يستقر قراره … على حالة لا يستقل بئات.
ومن أسبابه مهاواة الناس ومجاراتهم (في عوائدهم وديانتهم وأفراحهم وأتراحهم واحتفالاتهم ومآتمهم) خوفا من ذهاب دنيا فانية أو جاه كاذب أو طمعا في إقبالهما من جهة ذهابهما التي هي غضب (سيدي الشيخ) وفقراء الشيخ وزيد وعمرو وخالد وبكر, فلا يعاملون من لا يهاويهم ولا يسكت عن مناكرهم ولا يدعونه لولائمهم ومآتمهم ولا يصدرون به مجلسا ولا يعرفون له قيمة ولا خاطرا وهذا شيء يهم بعض الأعيان أكثر وبعض العلماء أكثر ولأجله فضلوا الحياد.
وما دخل هذا الخوف على هذا البعض من العلماء والأعيان المحايدين إلا من طريق الوهم والخيال وقلة الثقة بالله ثم بأنفسهم! وإلا فقد عرفنا كثيرا من الناس قاموا بالحق دفاعا عنه وتأييدا له ولم يبالوا بغضب زيد ولا برضى عمرو وما زادهم ذلك إلا إكبارا في النفوس وإعظاما في القلوب,

الصفحة 1