كتاب جريدة «الشريعة» النبوية المحمدية (اسم الجزء: 3)

_____
الصفحة 3
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـ[عمود:1]ـ
يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فكما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قرأ: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}» ثم قال: «كلا والله, لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا» أي تقهرونه وتلزمونه على الحق قهرا.
وكيف يتخلى المسلمون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم في سفينة الحياة سائرون لو أطلقوا العنان لأدوات الفساد لهلك الجميع غرقى وذلك هو المثل الذي رواه البخاري في صحيحه عن النعمان بن بشير عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا ولم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا, وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا» على أن الشريعة الإسلامية لاحظت الأيدي التي ستعبث في الإسلام باسم الدين فحالت دون ذلك, لو أن المسلمين التفتوا قليلا إلى السنة النبوية التي هي تفسير للقرآن ولاحظوا ما تشتمل عليه آيات الفرقان من الحكم والدقائق.
روى الترمذي وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم وابن حبان في صحيحه عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: يا أيها الناس إنكم تقرؤون هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} وإني سمعت رسول الله يقول: «إن الناس إذا رأوا الظالم فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده».
فمن هذا تعلم أن حديث «عليك بخويصة

ـ[عمود2]ـ
نفسك» وآية {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} قد أخرجوهما عن المراد للشارع وجعلوهما ألسنة لإفساد الأمة وإيجاد الوهن في عزيمتها حتى نهجت الأمة خطة الفرق والجبن التي أورثتها الذل والجهل والانحطاط بعد أن كانت الآية الكريمة نزلت للقوة و ... و ...
على أن كثيرا من علماء الإصلاح وخصوصا الأستاذ الطيب العقبي جزاه الله عن الإسلام والمسلمين خيرا قد نبهوا على خطأ فهم الناس لهما وأنهم شوهوا معناهما ودونك نص عبارة النووي في شرح مسلم تفسيرا للآية, قال: ((لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به فلا يضركم تقصير غيركم مثل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وإذا كان كذلك فمما كلف به الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا فعله ولم يمتثله المخاطب فلا عتب بعد ذلك على الفاعل لكونه أدى ما عليه فإن عليه الأمر والنهي لا القبول والله أعلم)) ا ه.
فالدعوة إلى الانفراد وعيش العزلة وعمل المسلمين اليوم بهذا هو الذي أقعدهم عن الأعمال المجيدة وأفقدهم ثمرات الحياة التي يتطلب قطفها تأسيس جماعات وتوحيد قوى كثيرة لأن الأعمال الجسيمة لا يمكن للفرد الواحد من البشر أن يقوم بها وحده مهما كان قويا.
وقد بلغ من تغلغل هذا المثل في نفوسنا ومشاعرنا أن أصبح دستورا لمعظم أعمالنا الاجتماعية مع أنه القاصم المهلك ولهذا تجد المشاريع الخيرية عندنا مفقودة وإن وجدت لا تنجح لأن كل فرد منا نسي كلمة (مصلحة الأمة) و (واجب الوطن) و (فرض الدين) ولكنه حفظ كلمة (عليك بخويصة نفسك) التي فهمها على غير وجهها ورددها كثيرا حتى امتزجت بدمه واختلطت بعظمه ولحمه.
كثيرا ما تجد الناس يتساءلون لم لا تؤسس الجمعيات عندنا وإن قمنا بجمعية ولو صغيرة فإن النجاح لا يوافقها, فكأنهم لا يعملون ولا يشعرون.
فالجواب هو كلمة (عليك بخويصة نفسك) التي تكررونها في غير محلها فصرفتكم عن المصالح العامة وأورثت فسادا في الأخلاق وطمعا

ـ[عمود3]ـ
أخل بالنظام الاجتماعي لعدم ائتلافه بسببها مع العدل وحقوق الأمة.
لا شك أنه لا يمكننا القيام بالمشاريع الخيرية إلا بعد التحقق بآية: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} وبالحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده ومسلم في صحيحه عن النعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «المؤمنون كرجل واحد, إذا اشتكى رأسه اشتكى كله وإذا اشتكى عينه اشتكى كله» والذي رواه البخاري في صحيحه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا» ثم شبك بين أصابعه, ومن قواعد الديانة الإسلامية أنه يجب على المؤمن أن يعد منفعة أخيه المؤمن منفعة لنفسه ويعتقد أن المال الذي بيده هو مال المسلمين جميعا وإن كان تحت تصرفه وإرادته.
ألا ترى أن الصبي أو الرجل المبذر السفيه يحجر عليه, ولماذا؟ لأنه يضيع مالا يحق لأمته أن تستفيد منه عند الحاجة, قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} فأضاف تعالى مال السفيه للمسلمين باعتبار أنهم جسد واحد.
فإذن لا نجاح للمسلمين إن لم يعتبر كل واحد منا منفعة أمته منفعة له وهذه خطة المسلمين في صدر الإسلام ولكن دسيسة تشويه (عليك بخويصة نفسك) وأمثالها فرقت المسلمين أحزابا وشيعا وجعلت كل فرد منهم معرضا عن المصلحة العامة ولا يفكر إلا في نفسه ومطامعه الذاتية ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الجزائر
بوزيدي الحسن بن بلقاسم.

رجاء
نؤكد رجاءنا لباعة صحيفة السنة وأنصارها الكرام أن يوافونا بحساباتهم قريبا ولا يضطرونا لمكاتبتهم شخصيا, لما في ذلك من ضياع الوقت.

الصفحة 3