كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ رَجُلٍ مِنْ الْأَنْصَارِ عَنْ مُعَاذِ بْنِ سَعِيدٍ أَوْ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ «أَنَّ جَارِيَةً
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْمُؤَوَّلِ فِي مَسْأَلَتِنَا لَا نَدْرِي لَعَلَّ عَرْقَبَتَهُ أَثَّرَتْ فِي قَتْلِهِ قَبْلَ فَرْيِ أَوْدَاجِهِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الصَّيْدُ لِأَنَّ ذَلِكَ مُبَاحٌ فِي الصَّيْدِ وَلَا يَلْزَمُ عَلَى هَذَا التَّرْدِيَةُ وَالنَّطِيحَةُ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ فِعْلِ الْإِنْسَانِ وَإِنَّمَا يَجُوزُ فِعْلُ ذَلِكَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ مِمَّا يَحْسِبُهُ وَلَا يَسْرُعُ بِإِفَاضَةِ نَفْسِهِ وَعَلَيْهِ يُحْمَلُ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِي رَمَى بَعِيرًا نَدَّ فَحَبَسَهُ رَجُلٌ بِسَهْمٍ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إنَّ لِهَذِهِ الْإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ فَمَا نَدَّ مِنْهَا فَافْعَلُوا بِهِ كَذَا» .
وَقَدْ رَوَى إسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ مَالِكٍ فِيمَا تَوَحَّشَ مِنْ الْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ فَلَا يُدْرَكُ إلَّا بِالنَّبْلِ أَوْ الْمَزَارِيقِ وَالرِّمَاحِ لَا يُؤْكَلُ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: فَإِنْ كَانَ الرَّمْيُ بِالنَّبْلِ وَالطَّعْنِ بِالرِّمَاحِ أَثَّرَ فِيهَا مِثْلَ الْعَرْقَبَةِ فَهُوَ عَلَى مَا تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ لَا تُؤْكَلُ بِمَعْنَى الْكَرَاهِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَلَغَ بِذَلِكَ إنْفَاذَ مَقَاتِلِهَا فَقَوْلُهُ لَا تُؤْكَلُ عَلَى التَّحْرِيمِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الضَّرُورَةُ الَّتِي تَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ الذَّكَاةِ فَهِيَ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ ذَكَاتِهَا وَلَا تَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ نَحْرِهَا وَالْقِسْمُ الثَّانِي أَنْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَوْضِعِ ذَكَاةٍ جُمْلَةً فَأَمَّا الْقِسْمُ الْأَوَّلُ فَمِثْلُ أَنْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَنْحَرِ الْبَعِيرِ وَلَا تَمْنَعُ مِنْ الْوُصُولِ إلَى مَذْبَحِهِ أَوْ تَمْنَعَ الْوُصُولَ إلَى مَذْبَحِ الشَّاةِ وَلَا تَمْنَعُ الْوُصُولَ إلَى مَنْحَرِهَا فَهَذَا قَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ: إنَّ الشَّاةَ تُؤْكَلُ حِينَئِذٍ بِالنَّحْرِ وَالْبَعِيرُ يُؤْكَلُ بِالذَّبْحِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذِهِ ذَكَاةٌ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
فَأَمَّا إذَا لَمْ يَقْدِرْ أَنْ يَصِلَ إلَى مَوْضِعِ ذَكَاةٍ بِجُمْلَةٍ وَإِنَّمَا يَقْدِرُ عَلَى طَعْنٍ فِي جَنْبِهَا أَوْ فَخِذِهَا أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْهَا مِمَّا لَيْسَ بِمَنْحَرٍ وَلَا مَذْبَحٍ فَإِنَّهَا لَا تُؤْكَلُ قَالَهُ مَالِكٌ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذِهِ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَمْ يَسْتَبِحْ أَكْلَهُ بِغَيْرِ الذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ فِي بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ كَالْمَقْدُورِ عَلَيْهِ.
(فَرْعٌ) وَكُلُّ دَابَّةٍ إمَّا لَحْمٌ وَدَمٌ سَائِلٌ مِنْ هَوَامِّ الْأَرْضِ كَالْحَيَّةِ وَالْفَأْرَةِ وَالْحِرْبَاءِ وَالْعَظَاءَةِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّ مَنْ احْتَاجَ إلَى شَيْءٍ مِنْهَا لِدَوَاءٍ أَوْ غَيْرِهِ فَذَكَاتُهَا فِي الْحَلْقِ كَسَائِرِ الذَّبَائِحِ وَكَالصَّيْدِ بِالرَّمْيِ وَالسَّهْمِ وَالطَّعْنِ بِالرُّمْحِ وَشِبْهِ ذَلِكَ إنْ صِيدَتْ مَعَ التَّسْمِيَةِ فِي التَّذْكِيَةِ وَالتَّصَيُّدِ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَا لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ فَإِنَّهُ لَا يُسْتَبَاحُ إلَّا بِالذَّبْحِ أَوْ بِالنَّحْرِ كَالْأَنْعَامِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا لَيْسَتْ لَهُ نَفْسٌ سَائِلَةٌ كَالْجَرَادِ وَالْحَلَزُونِ وَالْعَقْرَبِ وَالْخُنْفُسَاءِ وَبَنَاتِ وَرْدَانَ وَالْقَرْنَبَا وَالزُّنْبُورِ وَالْيَعْسُوبِ وَالذَّرِّ وَالنَّمْلِ وَالسُّوسِ وَالْحِلْمِ وَالدُّودِ وَالْبَعُوضِ وَالذُّبَابِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالتَّدَاوِي بِهِ لِمَنْ احْتَاجَ إلَى ذَلِكَ إلَّا بِذَكَاةٍ وَاَلَّذِي يُجْزِي مِنْ الذَّكَاةِ فِي الْجَرَادِ أَنْ يَفْعَلَ بِهَا مَا لَا تَعِيشُ مَعَهُ وَيَتَعَجَّلُ مَوْتَهَا بِهِ كَقَطْعِ رُءُوسِهَا وَأَرْجُلِهَا مِنْ أَفْخَاذِهَا أَوْ إلْقَائِهَا فِي مَاءٍ حَارٍّ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي الْجَرَادِ وَالْحَلَزُونِ أَوْ تُبْقَرُ بِالشَّوْكِ وَالْإِبَرِ حَتَّى تَمُوتَ أَوْ يُلْقَى الْجَرَادُ أَوْ يُشْوَى فَأَمَّا قَطْعُ أَجْنِحَتِهَا أَوْ أَرْجُلِهَا فَقَطْ فَقَالَ مَالِكٌ: تُؤْكَلُ وَقَالَ أَشْهَبُ: لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ أُلْقِيَتْ فِي مَاءٍ بَارِدٍ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: لَا تُؤْكَلُ وَإِنْ أُلْقِيَتْ فِي مَاءٍ حَارٍّ أُكِلَتْ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تُؤْكَلُ فِي الْوَجْهَيْنِ فَقَوْلُ مَالِكٍ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ مَا صُنِعَ مِمَّا لَا تَعِيشُ مَعَهُ أَنَّهُ ذَكَاةٌ فِيهَا وَقَوْلُ أَشْهَبَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ إنَّمَا تَكُونُ الذَّكَاةُ بِمَا يُتَعَجَّلُ بِهِ مَوْتُهَا وَمَا يُتَأَخَّرُ بِهِ مَوْتُهَا وَتُعَذَّبُ بِهِ فَلَيْسَ بِذَكَاةٍ لَهَا وَأَمَّا أَخْذُهُ فَهَلْ يَكُونُ ذَكَاةً أَمْ لَا؟ الْمَشْهُورُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ ذَكَاةً لَهُ خِلَافًا لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا صَيْدٌ يَفْتَقِرُ إلَى ذَكَاةٍ فَلَمْ يَكُنْ مُجَرَّدُ أَخْذِهِ ذَكَاةً أَصْلُهُ الطَّيْرُ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَحُكْمُ الْحَلَزُونِ حُكْمُ الْجَرَادِ قَالَ مَالِكٌ: ذَكَاتُهُ بِالسَّلْقِ أَوْ يُغْرَزُ بِالشَّوْكِ وَالْإِبَرِ حَتَّى يَمُوتَ مِنْ ذَلِكَ وَيُسَمَّى اللَّهُ تَعَالَى عِنْدَ ذَلِكَ كَمَا يُسَمَّى عِنْدَ قَطْفِ رُءُوسِ الْجَرَادِ.
وَقَدْ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: الْعَقْرَبُ وَالْخُنْفُسَاءُ مَنْ احْتَاجَ إلَى التَّدَاوِي بِشَيْءٍ مِنْهَا فَلْيَقْطِفْ رُءُوسِهَا ثُمَّ يَتَدَاوَى بِهَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

الصفحة 110