كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ كَانَتْ تَرْعَى غَنَمًا لَهُ بِسَلْعٍ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا فَأَدْرَكَتْهَا فَذَكَّتْهَا بِحَجَرٍ فَسُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا فَكُلُوهَا» ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ثَوْرِ بْنِ زَيْدٍ الدِّيلِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهَا وَتَلَا هَذِهِ الْآيَةَ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ أَنَّ جَارِيَةً لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَكْثَرُ مَا تَسْتَعْمِلُ الْعَرَبُ هَذِهِ اللَّفْظَةَ فِي الْمَمْلُوكَةِ وَلِذَلِكَ أَضَافَهَا إلَى كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ إضَافَةً ظَاهِرُهَا الْمِلْكُ وَكَانَتْ هَذِهِ الْجَارِيَةُ تَرْعَى غَنَمًا لِكَعْبِ بْنِ مَالِكٍ بِسَلْعِ جَبَلٍ مِنْ جِبَالِ الْمَدِينَةِ فَأُصِيبَتْ شَاةٌ مِنْهَا يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ نَزَلَ بِهَا ذَلِكَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَذَكَّتْهَا الْجَارِيَةُ بِحَجَرٍ وَفِي ذَلِكَ بَابَانِ:
أَحَدُهُمَا: صِفَةُ مَا يُذَكَّى بِهِ مِنْ الْحِجَارَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الذَّابِحِ الْمُؤَثِّرَةِ فِي الذَّكَاةِ وَهُوَ الدِّينُ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الرِّقُّ فَلَيْسَ بِمُؤَثِّرٍ فِي الذَّكَاةِ فَتَجُوزُ ذَكَاةُ الْعَبْدِ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَأَمَّا الصَّغِيرُ وَالْأُنْثَى فَفِي كِتَابِ ابْنِ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: تُكْرَهُ ذَبِيحَةُ الصَّبِيِّ وَالْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ تَجُوزُ ذَكَاةُ الْمَرْأَةِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا بَأْسَ بِذَكَاةِ الصَّبِيِّ إذَا أَطَاقَ الذَّبْحَ وَرُوِيَ أَكْثَرُهُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَخْتُونًا كَانَ الصَّبِيُّ أَوْ غَيْرَ مَخْتُونٍ وَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ هَذَا مَعْنًى يُعْتَبَرُ فِيهِ الدِّينُ فَاعْتُبِرَ فِيهِ الْأُنُوثَةُ وَالذُّكُورَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْأَمَانَةُ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ مَعْنًى لَا يُعْتَبَرُ فِيهِ الرِّقُّ فَلَمْ يُعْتَبَرْ فِيهِ الْأُنُوثَةُ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَالطَّبْخِ.
1 -
(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِكَرَاهِيَةِ ذَبِيحَةِ الْمَرْأَةِ فَهَلْ تُكْرَهُ ذَبِيحَةُ الْخَصِيِّ؟ حَكَى الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ تُؤْكَلُ ذَبِيحَتُهُ وَلَمْ يَذْكُرْ كَرَاهِيَتَهُ وَرَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا أُحِبُّ ذَبِيحَةَ الْخَصِيِّ فَإِنْ فَعَلَ أُكِلَتْ وَوَجْهُ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ نَحْوُ الْأُنُوثَةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(فَرْعٌ) وَلَا تَجُوزُ ذَبِيحَةُ السَّكْرَانِ وَلَا الْمَجْنُونِ إذَا لَمْ يَعْقِلَا رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ زَادَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمَبْسُوطِ: وَلَا ذَبِيحَةَ أَعْجَمِيٍّ لَا يَعْرِفُ الصَّلَاةَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَا تَصِحُّ مِنْهُ النِّيَابَةُ فِي الذَّكَاةِ وَذَلِكَ مُعْتَبَرٌ فِي صِحَّتِهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ وَأَحْكَمُ.

(فَرْعٌ) وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ الْمُرْتَدِّ وَإِنْ ارْتَدَّ إلَى يَهُودِيَّةٍ أَوْ نَصْرَانِيَّةٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ قَالَ: وَلَا تُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ مَنْ يَدَّعِ الصَّلَاةَ وَلَا ذَبِيحَةُ مَنْ يُضَيِّعُهَا وَيُعْرَفُ بِالتَّهَاوُنِ بِهَا وَنَحَا بِذَلِكَ إلَى أَنَّهُ ارْتِدَادٌ قَالَ: وَكَذَلِكَ قَالَ لِي مَنْ كَاشَفْتُ مِنْ أَصْحَابِ مَالِكٍ عَنْهُ فِي جَمِيعِهِ.

(ش) : قَوْلُهُ فِي ذَبَائِحِ نَصَارَى الْعَرَبِ لَا بَأْسَ بِهَا أَجْرَاهُمْ فِي ذَلِكَ مَجْرَى نَصَارَى الْعَجَمِ فَإِنَّ ذَبَائِحَ النَّصَارَى وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مُبَاحَةٌ لَنَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فَاعْلَمْ أَنَّ ذَبَائِحَ نَصَارَى الْعَرَبِ مُبَاحَةٌ أَيْضًا وَلَمْ يَتَعَلَّقْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِهِ {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] إمَّا أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ لَمْ تَكُنْ نَزَلَتْ بَعْدُ أَوْ لِأَنَّهَا عَامَّةٌ يَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ عَامَّةً فِي جَمِيعِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ خَاصَّةً فِي الْعَجَمِ وَإِنْ كَانَ الْأَظْهَرُ عُمُومَهَا فَأَظْهَرَ التَّعَلُّقَ بِمَا هُوَ خَاصٌّ فِي الْعَرَبِ أَوْ فِيمَنْ خُوطِبَ بِهَذِهِ الْآيَةِ وَهُمْ الْمُنَافِقُونَ وَكَانُوا عَرَبًا وَمُقْتَضَى الْآيَةِ أَنَّهُ مَنْ يَتَوَلَّى أَهْلَ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ لِأَنَّ الْمُتَوَلِّيَ لِأَهْلِ الْكِتَابِ الْمُخَاطَبِينَ بِهَذِهِ الْآيَةِ يَجِبُ أَنْ يَكُونُوا غَيْرَ أَهْلِ الْكِتَابِ الْمُتَقَدِّمِ ذِكْرُهُمْ مِنْ الْعَجَمِ فَحَكَمَ تَعَالَى بِأَنَّهُ مِنْهُمْ وَذَلِكَ يُوجِبُ أَنْ يَكُونُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُمْ حُكْمَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي الذَّبَائِحِ وَغَيْرِهَا فَإِذَا كَانَتْ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْعَجَمِ مُبَاحَةً فَكَذَلِكَ ذَبَائِحُ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ الْعَرَبِ لِأَنَّ الْأَنْسَابَ لَا تُؤَثِّرُ فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا تُؤَثِّرُ فِيهِ الْأَدْيَانُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِذَا عَلِمْت أَنَّ مَنْ دِينُهُ النَّصْرَانِيَّةُ مِمَّنْ يَسْتَبِيحُ الْمَيْتَةَ فَلَا تَأْكُلُ مِنْ ذَبِيحَتِهِ إلَّا مَا شَاهَدْت ذَبْحَهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ إنَّمَا يُسْتَبَاحُ مِنْ ذَبِيحَتِهِ مَا وَقَعَ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ وَالْمُسْلِمُ أَصَحُّ ذَبِيحَةً وَهَذَا حُكْمُهُ فَإِذَا عُلِمَ أَنَّهُ رُبَّمَا قَتَلَ الْحَيَوَانَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي لَا يُبِيحُ أَكْلَهُ وَجَبَ الِامْتِنَاعُ

الصفحة 111