كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ أَكْلِ مَا مَاتَ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْحَيَوَانِ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ ذَكَاتَهُ وُجِدَتْ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الصِّحَّةِ لِمَا يَتَوَقَّعُ أَنْ يَكُونَ حُلُولُ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَى وَجْهِ الْقَتْلِ الْمُنَافِي لِلْإِبَاحَةِ قَالَ مَالِكٌ: سَوَاءٌ كَانَ ذِمِّيًّا أَوْ حَرْبِيًّا.
(فَرْعٌ) قَالَ مُحَمَّدٌ: وَكَرِهَ مَالِكٌ مَا ذَبَحُوا لِلْكِتَابِيِّينَ أَوْ لِعِيسَى أَوْ لِجِبْرِيلَ أَوْ لِأَعْيَادِهِمْ زَادَ ابْنُ حَبِيبٍ أَوْ الصَّلِيبِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَأَمَّا مَا ذُبِحَ لِلْأَصْنَامِ فَيَحْرُمُ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: فِي أَكْلِ مَا ذُبِحَ لِأَعْيَادِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ تَعْظِيمٌ لِشِرْكِهِمْ قَالَ: وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي النَّصْرَانِيِّ يُوصِي بِشَيْءٍ مِنْ مَالِهِ لِلْكَنِيسَةِ فَيُبَاعُ لَا يَحِلُّ لِلْمُسْلِمِ شِرَاؤُهُ لِمَا فِي ذَلِكَ مِنْ تَعْظِيمِ شَرَائِعِهِمْ وَمُشْتَرِيهِ بِهِ مُسْلِمُ سُوءٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَا ذَبَحَهُ الْيَهُودُ مِمَّا لَا يَسْتَبِيحُونَ أَكْلَهُ مِمَّا ذُكِرَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ} [الأنعام: 146] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هَلْ الْإِبِلُ وَحُمُرُ الْوَحْشِ وَالنَّعَمُ وَالْإِوَزُّ وَمَا لَيْسَ مَشْقُوقَ الْخُفِّ وَلَا مُنْفَرِجَ الْقَائِمَةِ فَهَذَا لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ بِذَبْحِهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الذَّكَاةَ مُفْتَقِرَةٌ إلَى النِّيَّةِ وَالْقَصْدِ وَهُمْ لَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُمْ لَا يُسْتَبَاحُ بِالذَّكَاةِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَا حَرُمَ عَلَيْهِمْ مِنْ شُحُومِ الْحَيَوَانِ الَّذِي يَسْتَبِيحُونَهُ وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى فِي الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ {حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا} [الأنعام: 146] قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: هِيَ الشُّحُومُ الْمُجْمَلَةُ الْخَالِصَةُ مِثْلُ الثُّرُوبِ وَالْكَشَاءِ وَهُوَ شَحْمُ الْكُلَى وَمَا لَصِقَ بِالْغِطْنَةِ وَشَبَهِهَا مِنْ الشُّحُومِ الْمَحْضَةِ الَّتِي لَمْ تَخْتَلِطْ بِعَظْمٍ وَلَا لَحْمٍ وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى إلَّا مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا مَا يَغْشَى اللَّحْمَ مِنْ الشَّحْمِ عَلَى الظَّهْرِ وَسَائِرِ الْجَسَدِ وَمَا اخْتَلَطَ مِنْهُ بِلَحْمٍ أَوْ عَظْمٍ وَأَمَّا الْحَوَايَا فَهِيَ الْمَبَاعِرُ وَيُقَالُ لَهَا بَنَاتُ اللَّبَنِ وَالْعَرَبُ تُسَمِّيهَا الْمَرَائِمَ فَكُلُّ ذَلِكَ مِنْ الشَّحْمِ دَاخِلٌ فِي الِاسْتِثْنَاءِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: مَا كَانَ مِنْ هَذَا مُحَرَّمًا بِنَصِّ التَّنْزِيلِ فَلَا يَحِلُّ لَنَا أَكْلُهُ بِعَيْنِهِ وَلَا أَكْلُ ثَمَنِهِ وَمَا لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا عَلَيْهِمْ فِي التَّنْزِيلِ مِثْلُ الطَّرِيفِ وَشَبَهِهِ فَإِنَّهُ مَكْرُوهٌ أَكْلُهُ وَأَكْلُ ثَمَنِهِ قَالَ: وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَحَكَى الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ أَنَّ شُحُومَ الْيَهُودِ الْمُحَرَّمَةِ عَلَيْهِمْ مَكْرُوهَةٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَمُحَرَّمَةٌ عِنْدَ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَشْهَبَ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: هِيَ مُبَاحَةٌ غَيْرُ مَكْرُوهَةٍ، وَجْهُ رِوَايَةِ التَّحْرِيمِ أَنَّ هَذِهِ ذَكَاةٌ يَعْتَقِدُ مُبَاشِرُهَا تَحْرِيمَ بَعْضِهَا وَتَحْلِيلَ بَعْضِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُسْتَبَاحَ بِهَا مَا يَعْتَقِدُ تَحْلِيلَهُ دُونَ مَا يَعْتَقِدُ تَحْرِيمَهُ كَالْمُسْلِمِ يَعْتَقِدُ اسْتِبَاحَةَ اللَّحْمِ دُونَ الدَّمِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ مَنْعِ التَّحْرِيمِ أَنَّ هَذَا مُذَكًّى يَجُوزُ أَكْلُ لَحْمِهِ مَا ذُكِّيَ فَجَازَ أَكْلُ لَحْمِهِ كَالْمُسْلِمِ وَأَمَّا الطَّرِيفُ فَفِي الْمُدَوَّنَةِ كَانَ مَالِكٌ يُجِيزُ أَكْلَهُ ثُمَّ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَأَرَى أَنْ لَا يُؤْكَلَ فَظَاهِرُ لَفْظِ ابْنِ الْقَاسِمِ الْمَنْعُ جُمْلَةً وَلَوْ حُمِلَ عَلَى التَّحْرِيمِ لَمَا بَعْدُ وَوَجْهُ جَوَازِ ذَلِكَ أَنَّهُ قَصَدَ إلَى اسْتِبَاحَةِ أَكْلِهِ لِأَنَّ مَا نَجِدُهُ عَلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الْمَانِعِ لَهُ مِنْ أَكْلِهِ لَا يَظْهَرُ إلَّا بَعْدَ تَمَامِ الذَّكَاةِ فَصَحَّ قَصْدُهُ إلَى إبَاحَتِهِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ الْمَنْعِ أَنَّ هَذِهِ ذَبِيحَةٌ مُنِعَ مِنْهَا الذَّابِحُ بِالشَّرْعِ فَمُنِعَ مِنْهَا غَيْرُهُ كَالْمُحَرَّمِ قَالَ مَالِكٌ: وَتُؤْكَلُ ذَبِيحَةُ السَّامِرِيَّةِ صِنْفٌ مِنْ الْيَهُودِ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْثِ.
(فَرْعٌ) وَنُهِيَ الْمُسْلِمُونَ عَنْ الشِّرَاءِ مِنْ جَزَّارِي الْيَهُودِ وَنُهِيَ الْيَهُودُ عَنْ الْبَيْعِ مِنْهُمْ فَمَنْ اشْتَرَى مِنْهُمْ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَهُوَ رَجُلُ سُوءٍ وَلَا يُفْسَخُ شِرَاؤُهُ إلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ مِنْ الْيَهُودِ مِثْلَ الطَّرِيفِ وَشَبَهِهِ مِمَّا لَا يَأْكُلُونَهُ فَيُفْسَخُ عَلَى كُلِّ حَالٍ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مُطَرِّفٍ وَابْنِ الْمَاجِشُونِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُ الصَّابِئِينَ وَلَيْسَ بِحَرَامٍ كَتَحْرِيمِ ذَبَائِحِ الْمَجُوسِ وَقَدْ حَرَّمَ الْحَسَنُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ذَبَائِحَهُمْ وَنِكَاحَ نِسَائِهِمْ وَقِيلَ: إنَّهُمْ بَيْنَ الْمَجُوسِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّة.
(مَسْأَلَةٌ) :
لَا تُؤْكَلُ ذَبَائِحُ الْمَجُوسِ وَلَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ وَلَوْ وَلَّى مُسْلِمًا ذَبِيحَتَهُ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا فَأَجَازَهَا ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَكَرِهَ ذَلِكَ الْحَسَنُ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنَّمَا يُكْرَهُ أَكْلُهَا إذَا قَالَ لِلْمُسْلِمِ: اذْبَحْهَا لِنَارِنَا أَوْ لِصَنَمِنَا فَأَمَّا لَوْ تَضَيَّفَ بِهِ مُسْلِمٌ فَأَمَرَهُ بِذَبْحِهَا لِيَأْكُلَ مِنْهَا فَذَلِكَ جَائِزٌ وَإِنْ أَعَدَّهَا لِغَيْرِهِ.

الصفحة 112