كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا ذُبِحَ بِهِ إذَا بَضَعَ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذَا اُضْطُرِرْت إلَيْهِ) .

مَا يُكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ أَبِي مُرَّةَ مَوْلَى عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا هُرَيْرَةَ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا فَأَمَرَهُ أَنْ يَأْكُلَهَا ثُمَّ سَأَلَ عَنْ ذَلِكَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ فَقَالَ: إنَّ الْمَيْتَةَ لَتَتَحَرَّكُ وَنَهَاهُ عَنْ ذَلِكَ وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ شَاةٍ تَرَدَّتْ فَتَكَسَّرَتْ فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا فَذَبَحَهَا فَسَالَ الدَّمُ مِنْهَا وَلَمْ تَتَحَرَّكْ فَقَالَ مَالِكٌ: إنْ كَانَ ذَبَحَهَا وَنَفَسُهَا تَجْرِي وَهِيَ تَطْرِفُ فَلْيَأْكُلْهَا)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ مَا ذُبِحَ بِهِ إذَا بَضَعَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّ الْآلَةَ يَجِبُ أَنْ تَكُونَ عَلَى صِفَةٍ تُبْضِعُ وَلَا تَكُونُ مِمَّا تَكْسِرُ أَوْ تُهَشِّمُ الْأَوْدَاجَ بِقُوَّةٍ دُونَ حِدَّةٍ وَلَا تَكُونُ مِمَّا يَبْرُدُ كَالْمِنْجَلِ الْمُضَرَّسِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إذَا اُضْطُرِرْت إلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ قَصَدَ الْإِخْبَارَ عَنْ غَيْرِ الْحَدِيدِ وَأَمَّا الْحَدِيدُ الَّذِي عَلَى هَذِهِ الْحَالِ فَهُوَ الَّذِي يُذْبَحُ بِهِ فِي حَالِ الِاخْتِيَارِ وَإِنَّمَا شَرْطُ الضَّرُورَةِ فِي الذَّبْحِ لِغَيْرِ الْحَدِيدِ لِأَنَّ الْحَدِيدَ الْمُحْكَمَ أَسْرَعُ قَطْعًا وَأَقَلُّ أَلَمًا وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَخْبَرَ عَنْ الْمُعْتَادِ مِنْ أَحْوَالِ النَّاسِ بِأَنَّهُ لَا يَكَادُ يُسْتَعْمَلُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ عَدَمِ الْحَدِيدِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ نَافِعٍ أَنَّهُ إنَّمَا يُذْبَحُ بِذَلِكَ إذَا لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ وَقَالَ ابْنُ كِنَانَةَ عَنْ مَالِكٍ: الشَّفْرَةُ أَحَبُّ إلَيَّ إذَا وُجِدَتْ فَإِذَا ذُبِحَ مَعَ وُجُودِ الشَّفْرِ جَازَ وَرَوَاهُ عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ.

[مَا يُكْرَهُ مِنْ الذَّبِيحَةِ فِي الذَّكَاةِ]
(ش) : قَوْلُهُ عَنْ شَاةٍ ذُبِحَتْ فَتَحَرَّكَ بَعْضُ بَعْضِهَا لَا يَخْلُو مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ: أَنْ تَكُونَ صَحِيحَةً أَوْ تَكُونَ مَكْسُورَةً أَصَابَهَا ذَلِكَ الْكَسْرُ فَعُوجِلَتْ بِالذَّبْحِ فَتَحَرَّكَ بَعْضُهَا، أَوْ يَكُونَ بِهَا مَرَضٌ فَخِيفَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ فَعُوجِلَتْ فَأَمَّا إنْ كَانَتْ صَحِيحَةً لَيْسَ بِهَا شَيْءٌ فَإِنْ كَانَ الذَّابِحُ قَدْ صَادَفَهَا وَهِيَ مُسْتَجْمِعَةُ الْحَيَاةِ وَهُوَ الَّذِي يُرَاعَى فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ فَلَا خِلَافَ نَعْلَمُهُ فِي صِحَّةِ ذَكَاتِهَا وَإِبَاحَةِ أَكْلِهَا وَقَالَهُ مَالِكٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ أَصَابَهَا كَسْرٌ أَوْ نَحْوُهُ فَانْتَهَتْ مِمَّا أَصَابَهَا إلَى حَدِّ الْمَوْتِ وَشَبَهِهِ مِمَّا يَيْأَسُ فِيهِ مِنْ حَيَاتِهَا فَذَبَحَهَا فَطَرَفَتْ بَعْدَ الذَّبْحِ بِعَيْنِهَا أَوْ اسْتَفَاضَ نَفَسُهَا أَوْ حَرَّكَتْ ذَنَبَهَا أَوْ رَكَضَتْ بِرِجْلِهَا فَقَدْ اخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهِ فَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَأَصْبَغَ أَنَّهَا تُؤْكَلُ وَهُوَ فِي الْمُخْتَصَرِ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَعَنْ ابْنِ الْمَاجِشُونِ وَابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ لَا تُؤْكَلُ وَرَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَجْهُ قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] إلَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ كُلِّهِ مَا أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهُ لِأَنَّ الْمَعْنَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ مِنْهُ لِأَنَّ مَا أَكَلَ السَّبُعُ جَمِيعَهُ فَقَدْ فَاتَتْ عَيْنُهُ فَلَا يُقَالُ فِيهِ أَنَّهُ حَلَالٌ وَلَا حَرَامٌ لِعَدَمِهِ.
وَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو إِسْحَاقَ: الْمَعْنَى تَحْرِيمُ مَا أَكَلَ السَّبُعُ لِفَوَاتِ الذَّكَاةِ فِيهِ وَمَعْنَى قَوْله تَعَالَى {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] لَكِنْ مَا ذَكَّيْتُمْ مِمَّا لَمْ يَأْكُلْهُ السَّبُعُ وَلَيْسَ بِاسْتِثْنَاءٍ مِمَّا تَقَدَّمَ قَالَ: وَهَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {طه - مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى} [طه: 1 - 2] {إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى} [طه: 3] تَقْدِيرُهُ وَلَكِنْ تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَعِنْدِي أَنَّ الْوَجْهَ الْأَوَّلَ أَظْهَرُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذِهِ أُدْرِكَتْ ذَكَاتُهَا وَبِهَا بَقِيَّةٌ مِنْ حَيَاتِهَا فَجَازَ أَكْلُهَا كَالْمَرِيضَةِ وَوَجْهُ رِوَايَةِ ابْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ مَا احْتَجَّ بِهِ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ فِي نُصْرَةِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مَعْنَى الْمُنْخَنِقَةِ وَالْمَوْقُوذَةِ وَالْمُتَرَدِّيَةِ وَالنَّطِيحَةِ الَّتِي لَمْ تَمُتْ بَعْدُ وَلَوْ أَرَادَ الَّتِي مَاتَتْ لَأَغْنَى عَنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ {إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] إلَّا مَا أَدْرَكْتُمُوهُ بِصِفَةِ مَا يُذَكَّى وَأَمَّا مَا بَلَغَ أَنْ لَا تُرْجَى حَيَاتُهُ فِي الْأَغْلَبِ فَلَا يُذَكَّى وَإِنْ أُدْرِكَ حَيًّا لِأَنَّ تِلْكَ لَيْسَتْ بِحَيَاةٍ وَلَا حُكْمُهُ حُكْمُ الْحَيِّ وَمِنْ

الصفحة 114