كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ مِنْ الرَّمْيِ وَأَشْبَاهِهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] قَالَ: فَكُلُّ شَيْءٍ نَالَهُ الْإِنْسَانُ بِيَدِهِ أَوْ بِرُمْحِهِ أَوْ بِشَيْءٍ مِنْ سِلَاحِهِ فَأَنْفَذَهُ وَبَلَغَ مَقَاتِلَهُ فَهُوَ صَيْدٌ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ أَهْلَ الْعِلْمِ يَقُولُونَ: إذَا أَصَابَ الرَّجُلُ الصَّيْدَ فَأَعَانَهُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ مَاءٍ أَوْ كَلْبٍ غَيْرِ مُعَلَّمٍ لَمْ يُؤْكَلْ ذَلِكَ الصَّيْدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ سَهْمُ الرَّامِي قَدْ قَتَلَهُ أَوْ بَلَغَ مَقَاتِلَ الصَّيْدِ حَتَّى لَا يَشُكَّ أَحَدٌ فِي أَنَّهُ هُوَ قَتَلَهُ وَأَنَّهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي طَرَفِهَا حَدِيدَةٌ يَرْمِي الصَّائِدُ بِهَا الصَّيْدَ فَمَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَهُوَ وَجْهُ ذَكَاتِهِ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا يُؤْكَلُ إلَّا أَنْ تُدْرَكَ ذَكَاتُهُ لِمَا قَدَّمْنَاهُ فِي صِفَةِ مَا يُرْمَى بِهِ مِنْ أَنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مُحَدَّدًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَالْبُنْدُقَةُ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ مَا اجْتَمَعَ فِي قَتْلِهِ الْمِعْرَاضُ وَالْبُنْدُقَةُ مِثْلُ أَنْ يُرْمَى بِهِمَا جَمِيعًا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ فَيُعْلَمُ أَنَّهُ مِنْ الضَّرْبَتَيْنِ مَاتَ أَوْ لَا يُعْلَمُ مِنْ أَيِّهِمَا مَاتَ فَهَذَا لَا يُؤْكَلُ سَوَاءٌ أَصَابَهُ الْمِعْرَاضُ بِعَرْضِهِ أَوْ حَدِّهِ لِأَنَّهُ قَدْ أَعَانَتْ فِي ذَكَاتِهِ آلَةٌ لَا يُذَكَّى بِمِثْلِهَا كَمَا لَوْ اشْتَرَكَ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ الْكَلْبُ وَالْحِبَالَةُ أَوْ كَلْبَانِ أَحَدُهُمَا لَمْ يُرْسَلْ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ أَنْ يَنْفَرِدَ الْمِعْرَاضُ بِالْقَتْلِ أَوْ تَنْفَرِدَ الْبُنْدُقَةُ بِالْقَتْلِ فَعَلَى هَذَا لَا يُؤْكَلُ مَا انْفَرَدَتْ الْبُنْدُقَةُ بِقَتْلِهِ وَيُنْظَرُ إلَى مَا قَتَلَهُ الْمِعْرَاضُ فَمَا قَتَلَهُ بِحَدِّهِ أُكِلَ وَمَا قُتِلَ بِعَرْضِهِ لَمْ يُؤْكَلْ.

(ش) : قَوْلُهُ كَانَ يَكْرَهُ أَنْ تُقْتَلَ الْإِنْسِيَّةُ بِمَا يُقْتَلُ بِهِ الصَّيْدُ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ حَالَيْنِ: أَحَدُهُمَا حَالَ إمْكَانِهَا وَالثَّانِي حَالَ امْتِنَاعِهَا فَأَمَّا فِي حَالِ إمْكَانِهَا فَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ وَأَمَّا فِي حَالِ امْتِنَاعِهَا بِالتَّوَحُّشِ فَقَدْ قَالَ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ إنَّهُ لَا يَجُوزُ ذَلِكَ فِيهَا وَأَنَّمَا يَجُوزُ أَنْ يُحْبَسَ بِالرَّمْيِ وَالطَّعْنِ وَالضَّرْبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعَرْقَبَةِ وَغَيْرِهَا مَا لَمْ تُنْفَذْ بِشَيْءٍ وَمِنْ ذَلِكَ الْمَقَاتِلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يَجُوزُ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الصَّيْدِ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ أَنَّ هَذَا حُكْمٌ ثَبَتَ لِبَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ بِالتَّوَحُّشِ أَصْلُ ذَلِكَ وُجُوبُ الذَّكَاةِ فِيهَا وَإِجْزَاؤُهُ لَهَا فِي الضَّحَايَا وَالْهَدَايَا.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا مَا يَتَأَنَّسُ مِنْ الْوَحْشِ ثُمَّ اسْتَوْحَشَ فَإِنَّهُ يَرْجِعُ إلَى أَصْلِهِ فَيَحِلُّ أَكْلُهُ بِالصَّيْدِ قَالَهُ مَالِكٌ وَحَكَاهُ عَنْهُ ابْنُ حَبِيبٍ فِي الْيَمَامِ وَالْيَعَاقِيبِ وَجَمِيعِ الطَّيْرِ الَّذِي أَصْلُهُ التَّوَحُّشُ ص.
(قَالَ مَالِكٌ وَلَا أَرَى بَأْسًا بِمَا أَصَابَ الْمِعْرَاضُ إذَا خَسَقَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنْ يُؤْكَلَ) .
(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ بِحَدِّهِ وَطَرَفِهِ الْمُحَدَّدِ كَطَرَفِ الْعَصَا وَكَذَلِكَ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ رَمَى صَيْدًا بِعُودٍ أَوْ عَصًا فَخَرَقَ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ لِأَنَّهُ نَفَذَ بِطَرَفِهِ كَطَرَفِ الرُّمْحِ قَالَ الْإِمَامُ أَبُو الْوَلِيدِ: وَهَذَا إنَّمَا يَصِحُّ عِنْدِي فِيمَا يَكُونُ مُحَدَّدَ الطَّرَفِ فَأَمَّا لَمْ يَكُنْ مُحَدَّدَ الطَّرَفِ فَإِنَّمَا خَزْقُهُ هَشْمٌ وَرَضٌّ وَقَدْ أَشَارَ إلَى هَذَا ابْنُ حَبِيبٍ وَقَالَ مَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ فِيمَنْ رَمَى بِحَجَرٍ أَوْ بُنْدُقَةٍ فَخَرَقَ أَوْ بَضَعَ وَبَلَغَ الْمَقَاتِلَ أَنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِخَزْقٍ وَإِنَّمَا هُوَ رَضٌّ.
وَقَدْ رَوَى عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ قَالَ: «سَأَلْت النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ: مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَخَزَقَ فَكُلْهُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْهُ» .

(ش) : قَوْلُهُ {لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ} [المائدة: 94] الْآيَةُ يَدُلُّ عَلَى اخْتِصَاصِ هَذَا الْحُكْمِ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُخَاطَبْ بِهَا سِوَاهُمْ وَلَا أُضِيفَ إلَّا إلَى أَيْدِيهِمْ وَرِمَاحِهِمْ.
(فَصْلٌ) :
قَوْلُهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ يَدُلُّ عَلَى إبَاحَتِهِ فِي الْجُمْلَةِ وَإِطْلَاقِهِ وَهُوَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: ضَرْبٌ يَفْعَلُهُ الْمُتَصَيِّدُ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ لِلتَّكَسُّبِ وَالِاسْتِغْنَاءِ بِهِ وَضَرْبٌ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ إلَى أَكْلِ لَحْمِهِ مِثْلُ الْغِنَى عَنْهُ وَضَرْبٌ يَفْعَلُهُ عَلَى وَجْهِ اللَّهْوِ وَالرَّاحَةِ فَأَمَّا مَا يُفْعَلُ عَلَى وَجْهِ الْحَاجَةِ لِلتَّكَسُّبِ أَوْ لِأَكْلِ لَحْمِهِ فَلَا خِلَافَ فِي إبَاحَتِهِ دُونَ كَرَاهِيَةٍ فِيهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ وَأَمَّا الصَّيْدُ لِلَّهْوِ فَكَرِهَهُ مَالِكٌ وَنَهَى عَنْهُ وَرَآهُ سَفَهًا وَلَمْ يَجُزْ قَصْرُ الصَّلَاةِ فِيهِ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُ الْمَوَّازِ وَابْنُ حَبِيبٍ.

الصفحة 121