كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ فَلَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَتْ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَى إرْسَالِهَا) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: وَأَحْسَنُ مَا سَمِعْت فِي الَّذِي يَتَخَلَّصُ الصَّيْدَ مِنْ مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ مِنْ فِي الْكَلْبِ ثُمَّ يَتَرَبَّصُ بِهِ فَيَمُوتُ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ كُلٌّ مَا قُدِرَ عَلَى ذَبْحِهِ وَهُوَ فِي مَخَالِبِ الْبَازِي أَوْ فِي فِي الْكَلْبِ فَيَتْرُكُهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى ذَبْحِهِ حَتَّى يَقْتُلَهُ الْبَازِي أَوْ الْكَلْبُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ قَالَ مَالِكٌ: وَكَذَلِكَ الَّذِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ فِي الْبَازِي وَالْعُقَابِ وَالصَّقْرِ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا يَفْقَهُ كَمَا تَفْقَهُ الْكِلَابُ الْمُعَلَّمَةُ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ جَمِيعَ الْجَوَارِحِ الَّتِي تَفْهَمُ التَّعْلِيمَ يُؤْكَلُ مَا قَتَلَتْ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: تَعْلِيمُ الْكَلْبِ أَنْ تَدْعُوهُ فَيُجِيبَ وَتُشْلِيَهُ فَيُشْلَى وَتَزْجُرَهُ فَيَزْدَجِرَ وَكَذَلِكَ الْفُهُودُ وَأَمَّا الْبُزَاةُ وَالصَّقْرُ وَالْعِقْبَانُ فَأَنْ تُجِيبَ إذَا دُعِيَتْ وَتُنْشَلِي إذَا أُشْلِيَتْ وَلَا تَزْدَجِرُ إذَا زُجِرَتْ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُمْكِنُ فِيهَا قَالَهُ رَبِيعَةُ وَابْنُ الْمَاجِشُونِ وَكَانَ ابْنُ الْقَاسِمِ يَقُولُ فِي الْبُزَاةِ أَنَّهَا كَالْكِلَابِ تُجِيبُ عِنْدَ النِّدَاءِ وَتَفْقَهُ الزَّجْرَ وَأَمَّا مَا لَا يَفْقَهُ الزَّجْرَ مِنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ فَلَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا قَتَلَ مِنْ الصَّيْدِ إلَّا أَنْ تُدْرِكَ ذَكَاتَهُ رَوَى ذَلِكَ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ مَالِكٍ فِي النَّمِرِ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْمُزَنِيَّة إنْ كَانَ لَا يَفْقَهُ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو إِسْحَاقَ: وَمَا جَرَى مَجْرَى مَا ذُكِرَ مِمَّا يُصَادُ بِهِ فَهُوَ جَارِحٌ وَإِنْ كَانَ سِنَّوْرًا أَوْ ابْنَ عُرْسٍ وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ جِنْسَ مَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ إذَا كَانَ مِنْهُ غَيْرُ مُعَلَّمٍ لَا يَجُوزُ أَكْلُ مَا قَتَلَ فَبِأَنْ لَا يَجُوزَ أَكْلُ مَا قَتَلَ النَّمِرُ الَّذِي جِنْسُهُ لَا يَفْقَهُ التَّعْلِيمَ أَوْلَى.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِ مَا قَتَلَتْ مِمَّا صَادَرَتْ يُرِيدُ مَا تَنَاوَلَتْهُ عَلَى وَجْهِ الِاصْطِيَادِ مِمَّنْ يُصَادُ بِهَا إذَا أُشْلِيَتْ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُرْسِلَهَا لَوْ أَرْسَلَهَا فَلَمْ يَقْتُلْ عَلَى وَجْهِ الِاصْطِيَادِ وَذَلِكَ أَنَّهَا لَمْ تَتْبَعْ الصَّيْدَ بِالْإِشْلَاءِ بَلْ رَجَعَتْ عَنْهُ وَاشْتَغَلَتْ بِغَيْرِهِ أَوْ قَتَلَتْهُ صَدْمًا أَوْ نَطْحًا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ وَجْهَ الِاصْطِيَادِ الْمُعْتَادِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى إرْسَالِهَا ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ التَّسْمِيَةَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الِاصْطِيَادِ كَمَا هِيَ شَرْطٌ فِي صِحَّةِ الذَّكَاةِ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمُدَوَّنَةِ مَنْ تَرَكَ التَّسْمِيَةَ فِي الصَّيْدِ عَامِدًا لَمْ يُؤْكَلْ صَيْدُهُ وَيَجْرِي فِي التَّسْمِيَةِ فِي الصَّيْدِ مِنْ الْخِلَافِ مَا تَقَدَّمَ فِي الذَّبِيحَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ هُنَالِكَ مِنْ الْكَلَامِ مَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَمِمَّا يَخْتَصُّ بِهَذَا الْبَابِ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] فَأَمَرَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى التَّصَيُّدِ وَالْأَمْرُ يَقْتَضِي الْوُجُوبَ وَمِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا سَمَّيْت فَكُلْ وَإِلَّا فَلَا تَأْكُلْ» وَكَذَلِكَ إرْسَالُ السَّهْمِ وَالرَّمْيُ بِالرُّمْحِ وَالضَّرْبُ بِالسَّيْفِ يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ التَّسْمِيَةِ مَا يَلْزَمُ فِي إرْسَالِ الْجَارِحِ لِأَنَّ الذَّكَاةَ انْتَقَلَتْ مِنْهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ تَلْزَمُ حِينَ إرْسَالِ الْكَلْبِ عَلَى مَا قَالَهُ فِي مُوَطَّئِهِ فِي قَوْلِهِ إذَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ إرْسَالِهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ رُبَّمَا قَتَلَ فَيَكُونُ ذَلِكَ ذَكَاتَهُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الصَّيْدِ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَزِمَتْهُ ذَكَاتُهُ كَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُسَمِّيَ عِنْدَ ذَكَاتِهِ أَيْضًا وَلَمْ أَرَ فِي ذَلِكَ نَصًّا غَيْرَ أَنَّ إرْسَالَ الْكَلْبِ هُوَ ابْتِدَاءُ ذَكَاةِ مَا قُتِلَ لِأَنَّهُ قَدْ تَغَيَّبَ حِينَ الْقَتْلِ وَلَا يَعْلَمُ بِهِ فَلَا تُمْكِنُ التَّسْمِيَةُ حِينَئِذٍ فَشُرِعَتْ التَّسْمِيَةُ حِينَ الْإِرْسَالِ فَإِنْ لَمْ يَقْتُلْ انْتَقَلَتْ ذَكَاتُهُ إلَى الذَّكَاةِ الْمَعْهُودَةِ فَلَزِمَتْ إعَادَةُ التَّسْمِيَةِ وَأَيْضًا فَإِنَّ التَّسْمِيَةَ لَزِمَتْ عِنْدَ إرْسَالِ الْجَارِحِ لِأَنَّهُ فِعْلُ الصَّائِدِ وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ فَإِنَّمَا هُوَ فِعْلُ الْكَلْبِ وَحِينَئِذٍ يَلْزَمُ الصَّائِدَ أَنْ يَنْوِيَ دُونَ وَقْتِ قَتْلِ الْكَلْبِ فَإِذَا أَخَذَ وَلَمْ يَقْتُلْ فَقَدْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ فِعْلٌ آخَرُ وَهُوَ الذَّكَاةُ وَنِيَّةٌ أُخْرَى فَلَزِمَتْ إعَادَةُ التَّسْمِيَةِ كَمَا لَزِمَ تَجْدِيدُ النِّيَّةِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

الصفحة 126