كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: الْأَمْرُ الْمُجْتَمَعُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ الضَّارِي فَصَادَ أَوْ قَتَلَ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا فَأَكْلُ ذَلِكَ الصَّيْدِ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ وَإِنْ لَمْ يُذَكِّهِ الْمُسْلِمُ وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ مِثْلُ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِشَفْرَةِ الْمَجُوسِيِّ أَوْ يَرْمِي بِقَوْسِهِ أَوْ بِنَبْلِهِ فَيَقْتُلُ بِهَا فَصَيْدُهُ ذَلِكَ وَذَبِيحَتُهُ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ وَإِذَا أَرْسَلَ الْمَجُوسِيُّ كَلْبَ الْمُسْلِمِ الضَّارِي عَلَى صَيْدٍ فَأَخَذَهُ فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ ذَلِكَ الصَّيْدُ إلَّا أَنْ يُذَكَّى وَإِنَّمَا مِثْلُ ذَلِكَ قَوْسُ الْمُسْلِمِ وَنَبْلُهُ يَأْخُذُهَا الْمَجُوسِيُّ فَيَرْمِي بِهَا الصَّيْدَ فَيَقْتُلُهُ أَوْ بِمَنْزِلَةِ شَفْرَةِ الْمُسْلِمِ يَذْبَحُ بِهَا الْمَجُوسِيُّ فَلَا يَحِلُّ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْجَارِحَ إذَا أَخَذَ الصَّيْدَ فَأَدْرَكَهُ صَاحِبُهُ سَالِمًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَقْدِرَ عَلَى ذَكَاتِهِ أَوْ لَا يَقْدِرُ فَإِنْ قَدَرَ عَلَى الذَّكَاةِ بِأَنْ يَنْتَزِعَهُ مِنْهُ فَيُذَكِّيَهُ أَوْ يُذَكِّيَهُ فِي أَفْوَاهِهَا أَوْ تَحْتِهَا لَزِمَهُ ذَلِكَ وَانْتَقَلَتْ الذَّكَاةُ إلَى الصَّائِدِ فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ وَتَرَكَهَا حَتَّى قَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ صَارَ مَقْدُورًا عَلَيْهِ مُتَمَكِّنًا مِنْ ذَكَاتِهِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْكَلَ بِقَتْلِ الْجَارِحِ كَالْمُسْتَأْنِسِ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ وَكَذَلِكَ لَوْ شُغِلَ عَنْ ذَكَاتِهِ بِإِخْرَاجِ السِّكِّينِ مِنْ مَتَاعِهِ أَوْ انْتِظَارِهِ غُلَامَهُ بِهِ حَتَّى قَتَلَتْهُ الْجَوَارِحُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ لِأَنَّهُ مَقْدُورٌ عَلَيْهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى ذَكَاتِهِ حَتَّى فَاضَتْ نَفْسُهُ أَوْ غَلَبَتْهُ الْكِلَابُ عَلَيْهِ فَقَتَلَتْهُ فَإِنَّهُ يُؤْكَلُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُؤْكَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ قَوْله تَعَالَى {فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] وَهَذَا مِمَّا أَمْسَكَتْهُ الْجَوَارِحُ عَلَيْنَا وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ السُّنَّةِ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «أَنَّهُ قَالَ لِعَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ: إذَا أَرْسَلْت كِلَابَك الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْت اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَإِنْ قَتَلْنَ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّهُ حَيَوَانٌ مُسْتَوْحِشٌ غَيْرُ مَقْدُورٍ عَلَيْهِ فَكَانَ ذَكَاتُهُ بِعَقْرِ الْجَوَارِحِ أَوْ آلَةِ الصَّيْدِ كَاَلَّذِي لَمْ يُدْرِكْهُ حَيًّا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَكَذَلِكَ الَّذِي يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَنَالُهُ وَهُوَ حَيٌّ فَيُفَرِّطُ فِي ذَبْحِهِ حَتَّى يَمُوتَ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ صَيْدِ الْجَوَارِحِ فَإِذَا رَمَى الصَّيْدَ بِسَهْمٍ أَوْ رُمْحٍ أَوْ ضَرَبَهُ بِسَيْفٍ فَلَمْ يُنْفِذْ مَقَاتِلَهُ وَصَارَ بِمَا نَالَ مِنْهُ مَقْدُورًا عَلَيْهِ فَإِنَّ الذَّكَاةَ قَدْ انْتَقَلَتْ إلَى أَصْلِهَا فَعَلَيْهِ أَنْ يُذَكِّيَهُ فَإِنْ فَرَّطَ فِي ذَلِكَ أَوْ تَأَخَّرَ أَوْ تَشَاغَلَ بِشَيْءٍ مِمَّا قَدَّمْنَا ذِكْرَهُ حَتَّى مَاتَ فَقَدْ فَاتَتْ ذَكَاتُهُ وَلَا يَحِلُّ أَكْلُهُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ لِأَنَّ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ إذَا كَانَ مُعَلَّمًا فَإِنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ كَلْبِ الْمُسْلِمِ لِأَنَّهُ آلَةٌ لِلصَّيْدِ كَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ وَلَا يُرَاعَى فِيهَا صِفَةُ مَالِكِهِ وَلَا صِفَةُ مُعَلِّمِهِ وَلَا صِفَةُ مُرْسِلِهِ وَإِنَّمَا يُرَاعَى صِفَةُ الْمُرْسَلِ فِي نَفْسِهِ فَالْكَلْبُ كَالسَّهْمِ وَالرُّمْحِ فَإِذَا أَرْسَلَ الْمُسْلِمُ كَلْبَ الْمَجُوسِيِّ وَهُوَ مُعَلَّمٌ فَقَدْ أَرْسَلَ كَلْبًا يَجُوزُ الِاصْطِيَادُ بِهِ وَالْمُرْسِلُ لَمَّا كَانَ مُسْلِمًا جَازَ اصْطِيَادُهُ فَلَمْ يُؤَثِّرْ فِي ذَلِكَ مِلْكُ الْمَجُوسِيِّ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمُرْسَلٍ وَلَا جَارِحٍ وَإِنَّمَا يُعْتَبَرُ فِي الصَّيْدِ صِفَةُ الْمُرْسَلِ وَالْجَارِحِ خَاصَّةً وَذَلِكَ كَالذَّابِحِ يُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ الذَّبْحِ وَصِفَةُ آلَةِ الذَّبْحِ دُونَ صِفَةِ مَالِكِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْمَجُوسِيَّ إذَا أَرْسَلَ كَلْبَ الْمُسْلِمِ عَلَى صَيْدٍ فَقَتَلَهُ فَإِنَّهُ لَا يَحِلُّ أَكْلُهُ وَإِنْ كَانَ الْكَلْبُ مُعَلَّمًا لِأَنَّ الْكَلْبَ وَإِنْ كَمُلَتْ شُرُوطُ الصَّيْدِ فِيهِ فَإِنَّ مُرْسِلَهُ مِمَّنْ تُعْتَبَرُ صِفَاتُهُ فِي الصَّيْدِ وَقَدْ عُدِمَتْ شُرُوطُهُ لِأَنَّ مَنْ لَا تَجُوزُ ذَكَاتُهُ لَا يَجُوزُ صَيْدُهُ وَلِلصَّائِدِ صِفَاتٌ تُعْتَبَرُ فِيهِ مِنْهَا أَنْ يَكُونَ مُسْلِمًا وَأَنْ يَكُونَ عَاقِلًا وَأَنْ يَكُونَ صَاحِيًا وَلَا خِلَافَ فِي جَوَازِ صَيْدِ الْمُسْلِمِ الْعَاقِلِ الصَّاحِي فَأَمَّا صَيْدُ الْكِتَابِيِّ فَقَدْ رَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَإِنْ أُكِلَتْ ذَبِيحَتُهُ وَرَوَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ وَهْبٍ إبَاحَتَهُ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: وَنَحْنُ نَكْرَهُهُ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيمٍ وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ كَذَبَائِحِهِمْ وَاحْتَجَّ مَالِكٌ لِقَوْلِهِ الْمُتَقَدِّمِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ} [المائدة: 94] وَلَمْ يَذْكُرْ أَهْلَ الْكِتَابِ فِي الصَّيْدِ كَمَا ذَكَرَ إبَاحَةَ طَعَامِهِمْ وَهِيَ ذَبَائِحُهُمْ وَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَى الْمُضَافَ

الصفحة 127