كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ (ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ سَأَلَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ عَمَّا لَفَظَ الْبَحْرُ فَنَهَاهُ عَنْ أَكْلِهِ قَالَ نَافِعٌ ثُمَّ انْقَلَبَ عَبْدُ اللَّهِ فَدَعَا بِالْمُصْحَفِ فَقَرَأَ {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] قَالَ نَافِعٌ: فَأَرْسَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQمِنْ بَابِ الْحَصْرِ فَلَمَّا أَضَافَ الْأَيْدِي وَالرِّمَاحَ إلَى الْمُخَاطَبِينَ وَهُمْ الْمُؤْمِنُونَ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى قَصْرِ هَذَا الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ وَوَجْهُ قَوْلِ ابْنِ وَهْبٍ أَنَّهَا ذَكَاةٌ فَصَحَّتْ مِنْ الْكِتَابِيِّ كَالذَّبْحِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا صَيْدُ الْمَجُوسِيِّ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ كَمَا لَا تَجُوزُ ذَبِيحَتُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَإِنَّمَا أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى لَنَا طَعَامَ أَهْلِ الْكِتَابِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ} [المائدة: 5] وَإِذَا تَوَلَّدَ صَبِيٌّ بَيْنَ كِتَابِيٍّ وَمَجُوسِيٍّ فَحُكْمُهُ فِي هَذَا الْبَابِ حُكْمُ أَبِيهِ وَسَيَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمَجْنُونُ فَلَا يُؤْكَلُ صَيْدُهُ وَلَا ذَبِيحَتُهُ وَكَذَلِكَ السَّكْرَانُ رَوَاهُ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ لِأَنَّ الصَّيْدَ يَحْتَاجُ إلَى نِيَّةٍ وَلَا تَصِحُّ النِّيَّةُ مِنْ أَحَدِهِمَا.

[مَا جَاءَ فِي صَيْدِ الْبَحْرِ]
(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ نَهَى عَنْ أَكْلِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يَلْفِظَهُ حَيًّا وَالثَّانِي أَنْ يَلْفِظَهُ مَيِّتًا لِمَا اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ ثُمَّ ظَهَرَ إلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ النَّظَرَ أَوْ يَذْكُرَ الْآيَةَ فَأَعَادَ نَظَرَهُ فِيهَا فَقَرَأَ أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ فَحَمْلُ الصَّيْدِ عَلَى مَا اُصْطِيدَ مِنْهُ لِامْتِنَاعِهِ وَالطَّعَامِ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُ دُونَ تَصَيُّدٍ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا فِي الطَّافِي الَّذِي قَدْ مَاتَ وَهُوَ فِي الْغَالِبِ لَا يُعْلَمُ سَبَبُ مَوْتِهِ وَلَا أَنَّهُ مَاتَ بِسَبَبٍ فَلَمَّا اسْتَوَى عِنْدَهُ ذَلِكَ فِي الْإِبَاحَةِ إمَّا لِعُمُومِ الْآيَةِ أَوْ لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَدِلَّةِ رَجَعَ عَنْ الْمَنْعِ مِنْهُ إلَى إبَاحَتِهِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَجَمِيعُ صَيْدِ الْبَحْرِ حَلَالٌ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَمَّا كَلْبُ الْمَاءِ وَخِنْزِيرُهُ فَقَدْ رَوَى الشَّيْخُ أَبُو الْقَاسِمِ أَنَّهُ مَكْرُوهٌ غَيْرُ مُحَرَّمٍ وَقَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَفِي الْمَوَّازِيَّةِ اُخْتُلِفَ فِي خِنْزِيرِ الْمَاءِ فَأَجَازَ أَكْلَهُ رَبِيعَةُ وَكَرِهَهُ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَظَاهِرُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ يُبِيحُهُ.
فَوَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ ظَاهِرُ التَّسْمِيَةِ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ لَمْ يَكُنْ مَالِكٌ يُجِيبُنَا فِيهِ بِشَيْءٍ وَيَقُولُ: أَنْتُمْ تَقُولُونَ خِنْزِيرٌ يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ التَّعْلِيقَ بِعُمُومِ قَوْله تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] وَلَا سِيَّمَا عَلَى قَوْلِ مَنْ يُرَاعِي فِي الْعُمُومِ مَوْضُوعَ اللَّفْظِ دُونَ عُرْفِ اسْتِعْمَالِهِ وَمَنْ رَاعَى عُرْفَ اسْتِعْمَالِهِ دُونَ مَوْضُوعِهِ تَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ أَوْ حَكَمَ لِمَا لَمْ يَدْخُلْ تَحْتَ عُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ بِالْكَرَاهِيَةِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إنِّي لَأَتَّقِيهِ وَلَوْ أَكَلَهُ رَجُلٌ لَمْ أَرَهُ حَرَامًا وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ قَوْله تَعَالَى {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] وَمَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» .
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْخَرْتِيتُ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَا بَأْسَ بِأَكْلِهِ وَهُوَ ظَاهِرُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: أَنَا أَكْرَهُهُ لِأَنَّهُ يُقَالُ: إنَّهُ مِنْ الْمَمْسُوخِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ نَهَى عَنْ أَكْلِ مَا لَفَظَهُ الْبَحْرُ وَذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُلْفَظَ حَيًّا وَالثَّانِي أَنْ يَلْفِظَهُ مَيِّتًا فَأَمَّا لَفْظُهُ حَيًّا فَإِنَّ مَذْهَبَ مَالِكٍ جَوَازُ أَكْلِهِ وَكَذَلِكَ مَا لَفَظَهُ مَيِّتًا سَوَاءٌ مَاتَ بِسَبَبٍ أَوْ بِغَيْرِ سَبَبٍ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا تُؤْكَلُ مَيْتَتُهُ إلَّا مَا مَاتَ بِسَبَبٍ مِثْلُ أَنْ يُؤْخَذَ فَيَمُوتَ أَوْ يَمُوتَ مِنْ شِدَّةِ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ أَوْ تَقْتُلَهُ سَمَكَةٌ أُخْرَى أَوْ يَنْضُبَ عَنْهُ الْمَاءُ فَيَمُوتَ أَوْ يَلْفِظَهُ الْبَحْرُ حَيًّا فَيَمُوتَ فَأَمَّا إنْ مَاتَ حَتْفَ أَنْفِهِ أَوْ لَفَظَهُ الْبَحْرُ مَيِّتًا فَإِنَّهُ لَا يُؤْكَلُ وَالدَّلِيلُ عَلَى مَا نَقُولُهُ الْحَدِيثُ الْمُتَقَدِّمُ فِي كِتَابِ الطَّهَارَةِ وَهُوَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: وَهُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا سَمَكٌ لَوْ مَاتَ فِي الْبَرِّ لَأُكِلَ فَإِذَا مَاتَ فِي الْبَحْرِ وَجَبَ أَنْ يُؤْكَلَ أَصْلُهُ إذَا مَاتَ بِسَبَبٍ وَأَيْضًا فَإِنَّ الذَّكَاةَ إنَّمَا تَكُونُ بِقَصْدِ قَاصِدٍ يَصِحُّ مِنْهُ الْقَصْدُ وَلَا خِلَافَ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُعْتَبَرُ

الصفحة 128