كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ كَانَ يَقُولُ: الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ إذَا حَلَّتْ لَمْ تَمْتَشِطْ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا وَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا شَيْئًا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُجْزِئُهُ إلَّا الْحِلَاقُ وَلَكِنَّهُ لَعَلَّهُ قَدْ أَمَرَهُ بِنَقْصِ مَا ضَفَّرَ مِنْهُ ثُمَّ حِينَئِذٍ يَأْخُذُ مَا زَادَ مِنْ شَعْرِهِ عَلَى الْمِشْطِ أَوْ عَلَى مَا يُبْقِيهِ التَّقْصِيرُ وَأَمَّا إنْ حُمِلَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ التَّقْصِيرُ بِأَخْذِ بَعْضِ الشَّعْرِ وَعِنْدَ مَالِكٍ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ وَبَيَانُ حُكْمِهِ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ: وَاهْدِ يَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ هَدْيَ التَّمَتُّعِ لِأَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ فَلَزِمَهُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَمَرَهُ مِنْ التَّقْصِيرِ بِأَكْثَرَ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُجْزِئًا عَنْهُ ثُمَّ أَمَرَهُ مَعَ ذَلِكَ بِالْهَدْيِ لِمَا أَخَّرَهُ مِنْ الْحِلَاقِ أَوْ التَّقْصِيرِ الْمُجْزِئِ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْعُتْبِيَّةِ فِيمَنْ أَتَمَّ عُمْرَتَهُ ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْحَجِّ ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ لَمْ يُقَصِّرْ فَعَلَيْهِ هَدْيٌ لِذَلِكَ مَعَ هَدْيِ التَّمَتُّعِ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ عِرَاقِيَّةٌ: مَا هَدْيُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَحْتَمِلُ قَوْلُهَا أَحَدَ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ هَدْيِ مَنْ أَتَى بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي الْجُمْلَةِ.
وَالثَّانِي: أَنْ تَسْأَلَهُ عَنْ هَدْيِ ذَلِكَ الرَّجُلِ خَاصَّةً فِي مِثْلِ يَسَارِهِ وَحَالِهِ فَتَوَقَّفَ عَنْ الْجَوَابِ لِاخْتِيَارِهِ لِذِي الْيَسَارِ الْبَدَنَةَ أَوْ الْبَقَرَةَ.
وَلَعَلَّهُ قَدْ رَأَى مِنْ حَالِ ذَلِكَ الرَّجُلِ أَنَّ يَدَهُ لَا تَتَّسِعُ لِذَلِكَ فَكَرِهَ أَنْ يُفْتِيَ بِالشَّاةِ فَيَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَنْ يَقْدِرُ عَلَى الْبَدَنَةِ أَوْ الْبَقَرَةِ فَلَمَّا كَرَّرَتْ عَلَيْهِ السُّؤَالَ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ الْجَوَابُ إمَّا لِأَنَّهُ رَأَى أَنَّ الْمَرْأَةَ مِمَّنْ يَجِبُ تَعْلِيمُهَا مِثْلَ هَذَا الْحُكْمِ أَوْ لَعَلَّهَا قَدْ لَزِمَهَا مِثْلُ ذَلِكَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهَا أَوْ لِأَنَّهُ خَافَ فَوَاتَ الْيَمَانِيِّ وَمَغِيبَهُ عَنْهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَعْلَمَ مَا حُكْمُهُ.
فَقَالَ: لَوْ لَمْ أَجِدْ إلَّا أَنْ أَذْبَحَ شَاةً لَكَانَ أَحَبَّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أَصُومَ فَصَرَّحَ بِجَوَازِ ذَبْحِ الشَّاةِ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ غَيْرَ ذَلِكَ وَأَنَّهُ أَحَبُّ إلَيْهِ مِنْ الصَّوْمِ وَأَحَبُّ هَاهُنَا وَإِنْ كَانَ لَفْظُهُ لَفْظَ الِاسْتِحْبَابِ فَظَاهِرُهُ الْوُجُوبُ بِالِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الِانْتِقَالُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ مَا يُجْزِئُ مِنْ الْهَدْيِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ التَّشَدُّدَ فِي الْفَضِيلَةِ وَالْمَنْعَ مِمَّا هُوَ عِنْدَهُ أَقَلُّ الْهَدْيِ لِذِي الْيَسَارِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: مَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْحِلَاقِ وَلَا التَّقْصِيرِ مِنْ وَجَعٍ بِهِ فَعَلَيْهِ بَدَنَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَسَبْعَةً.
وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِأَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ الْهَدْيِ وَأَنْفَعُ لِلْمَسَاكِينِ فَاسْتَحَبَّ مَالِكٌ أَنْ يَأْتِيَ بِالْبَدَنَةِ إذَا وُجِدَ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبَقَرَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَشَاةٌ وَذَلِكَ أَدْنَى الْهَدْيِ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الِاسْتِحْبَابُ لَا عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا تُجْزِئُ الشَّاةُ عَنْ الْبَدَنَةِ وَعَلَى هَذَا يُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ الْمَرْأَةُ الْمُحْرِمَةُ إذَا حَلَّتْ لَمْ تَمْتَشِطْ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا يَحْتَمِلُ قَوْلُهُ إذَا حَلَّتْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: إذَا بَلَغَتْ مِنْ نُسُكِهَا مَوْضِعَ الْإِحْلَالِ لِلتَّقْصِيرِ وَهَذَا يَكُونُ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ.
وَالثَّانِي: إذَا حَلَّتْ بِرَمْيِ الْجِمَارِ فَإِنَّهُ نَوْعٌ مِنْ الْإِحْلَالِ وَهَذَا إحْلَالٌ مُخْتَصٌّ بِالْحَجِّ فَنَهَاهَا عَنْ أَنْ تَمْتَشِطَ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا وَمَعْنَاهُ أَنْ تُقَصِّرَ فَتَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ شَعْرِ رَأْسِهَا.
وَأَمَّا مَنْعُهَا مِنْ الِامْتِشَاطِ قَبْلَ أَنْ تُقَصِّرَ فَلَا يَخْلُو أَنْ تَكُونَ مُعْتَمِرَةً أَوْ حَاجَّةً فَإِنْ كَانَتْ مُعْتَمِرَةً فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: لَيْسَ لِلْمُحْرِمِ الْمُعْتَمِرِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَهُ أَوْ يَقْتُلَ شَيْئًا مِنْ الدَّوَابِّ أَوْ يَلْبَسَ قَمِيصًا بَعْدَ تَمَامِ السَّعْيِ. وَأَمَّا فِي الْحَجِّ فَإِنَّ ذَلِكَ مَشْرُوعٌ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَوَّازِيَّةِ: وَمِنْ الشَّأْنِ أَنْ يَغْسِلَ رَأْسَهُ بِالْغَاسُولِ وَالْخِطْمِيِّ حِينَ يُرِيدُ أَنْ يَحْلِقَ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَتَنَوَّرَ وَيَقُصَّ أَظْفَارَهُ وَيَأْخُذَ مِنْ شَارِبِهِ وَلِحْيَتِهِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ وَإِنَّمَا كُرِهَ ذَلِكَ لِلْمُعْتَمِرِ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ أَوْ الْحِلَاقَ بِهِمَا يَتَحَلَّلُ لِإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَبِهِ يُبْتَدَأُ فِيهِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ حَتَّى تَأْخُذَ مِنْ قُرُونِ رَأْسِهَا يَقْتَضِي اسْتِيعَابَ ذَلِكَ بِالتَّقْصِيرِ دُونَ الِاقْتِصَارِ عَلَى التَّقْصِيرِ مِنْ بَعْضِهِ دُونَ بَعْضٍ وَهُوَ الْوَاجِبُ عِنْدَ مَالِكٍ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

الصفحة 13