كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ سَمِعَ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ يَقُولُ: لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ وَاحِدَةٍ لِيَهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً بَدَنَةً) .

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: سُئِلَ مَالِكٌ عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ هَدْيٌ يَنْحَرُهُ فِي حَجٍّ وَهُوَ مُهِلٌّ بِعُمْرَةٍ هَلْ يَنْحَرُهُ إذَا حَلَّ أَمْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيَحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ فَقَالَ: بَلْ يُؤَخِّرُهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَيَحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ) .

(ص) : (قَالَ يَحْيَى: قَالَ مَالِكٌ: وَاَلَّذِي يُحْكَمُ عَلَيْهِ بِالْهَدْيِ فِي قَتْلِ الصَّيْدِ أَوْ يَجِبُ عَلَيْهِ هَدْيٌ فِي غَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ هَدْيَهُ لَا يَكُونُ إلَّا بِمَكَّةَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] فَأَمَّا مَا عَدَلَ بِهِ الْهَدْيُ مِنْ الصِّيَامِ أَوْ الصَّدَقَةِ فَإِنَّ ذَلِكَ يَكُونُ بِغَيْرِ مَكَّةَ حَيْثُ أَحَبَّ صَاحِبُهُ أَنْ يَفْعَلَهُ فَعَلَهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ فَإِنْ كَانَ لَهَا هَدْيٌ لَمْ تَأْخُذْ مِنْ شَعْرِهَا حَتَّى تَنْحَرَ هَدْيَهَا يُرِيدُ أَنَّ النَّحْرَ مُقَدَّمٌ عَلَى الْحِلَاقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] .

(ش) : قَوْلُهُ لَا يَشْتَرِكُ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ فِي بَدَنَةٍ عَلَى وَجْهِ الْإِخْبَارِ عَنْ أَنَّ ذَلِكَ مَمْنُوعٌ غَيْرُ مُجْزِئٍ وَلَا مَشْرُوعٍ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ كَلَامُنَا فِي ذَلِكَ وَإِنَّمَا خُصَّ الرَّجُلُ وَامْرَأَتُهُ بِالْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ الرَّجُلَ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ امْرَأَتَهُ فِي الْأُضْحِيَّةَ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ لَهُ أَنْ يُشْرِكَ أَجْنَبِيَّةً فَلَمَّا نَصَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلرَّجُلِ أَنْ يُشْرِكَ امْرَأَتَهُ فِي الْهَدْيِ كَانَ فِيهِ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ امْتِنَاعَ ذَلِكَ فِي الْأَجْنَبِيَّةِ أَوْلَى مَعَ مَا فِي ذَلِكَ مِنْ التَّفْرِيقِ بَيْنَ الْهَدْيِ وَالْأُضْحِيَّةِ فِي هَذَا الْحُكْمِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ لِيَهْدِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةً بَدَنَةً يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهُمَا فِي ذَلِكَ حُكْمُهُ وَأَنَّ هَدْيَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَدَنَةٌ كَامِلَةٌ سَالِمَةً مِنْ الْمُشَارَكَةِ فِيهَا وَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ هَذَا أَقَلُّ مَا يَجِبُ أَنْ يَنْفَرِدَ بِهِ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ جِنْسِ الْهَدْيِ لِأَنَّهُ لَمَّا مَنَعَ الِاشْتِرَاكَ ثُمَّ أَبَاحَ لِكُلِّ وَاحِدٍ وَاحِدَةً كَامِلَةً اقْتَضَى ذَلِكَ أَنَّ هَذَا أَقَلُّ الْهَدْيِ وَبَيَّنَ أَيْضًا أَنَّ الِانْفِرَادَ بِالْهَدْيِ حُكْمُ الْبُدْنِ وَغَيْرِهَا لِئَلَّا يَظُنَّ ظَانٌّ أَنَّهُ يَجُوزُ الِاشْتِرَاكُ فِي الْبُدْنِ وَإِنْ لَمْ يَجُزْ فِي الْغَنَمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ عَمَّنْ بُعِثَ مَعَهُ هَدْيٌ لِيَنْحَرَهُ فِي حَجٍّ يَقْتَضِي أَنَّ لِبَعْثِهِ فِي الْحَجِّ تَأْثِيرًا يَمْنَعُ مِنْ نَحْرِهِ فِي غَيْرِهِ قَالَ مَالِكٌ: وَيَبْعَثُ الرَّجُلُ بِهَدْيِهِ مَعَ حَاجٍّ أَوْ مُعْتَمِرٍ فَإِنْ بَعَثَ بِهِ مَعَ غَيْرِ مُعْتَمِرٍ لَمْ أَرَ بِهِ بَأْسًا وَأَجْزَأَ عَنْهُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ لَا تَعَلُّقَ لِلْهَدْيِ بِنُسُكِ الْحَامِلِ لَهُ وَإِنَّمَا تَعَلُّقُهُ بِالْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ أَنْ يَذْبَحَهُ عَلَيْهِ فَمَنْ بُعِثَ مَعَهُ هَدْيٌ لِيَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّمَا بُعِثَ بِهِ مَعَهُ لِئَلَّا يَنْحَرَهُ قَبْلَ أَيَّامِ مِنًى فَإِذَا أَخَذَهُ عَلَى ذَلِكَ فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهِ وَالْتَزَمَ فِعْلَهُ وَهَلْ يَخْتَصُّ ذَلِكَ بِحَجِّ الَّذِي أُرْسِلَ مَعَهُ أَوْ بِحَجِّ النَّاسِ؟ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: لَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا وَعِنْدِي أَنَّهُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ ذَلِكَ بِحَجِّ النَّاسِ فَعَلَى الْحَامِلِ لِلْهَدْيِ أَنْ يَقِفَ بِهِ بِعَرَفَةَ وَيَنْحَرَهُ مَعَ النَّاسِ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى حَجَّ هُوَ أَوْ لَمْ يَحُجَّ وَلِذَلِكَ قَالَ مَالِكٌ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: لَا يَنْحَرُهُ إلَّا فِي الْحَجِّ وَلَمْ يُعَلِّقْ ذَلِكَ بِحَجِّهِ قَالَ: وَيَحِلُّ هُوَ مِنْ عُمْرَتِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ دَخَلَ بِعُمْرَةٍ لَكِنَّ الْهَدْيَ الَّذِي أُرْسِلَ مَعَهُ إنَّمَا أُرْسِلَ مَعَهُ عَلَى أَنْ يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَوْ أَنَّ بَاعِثَ الْهَدْيِ لِيَنْحَرَ لَهُ فِي حَجٍّ خَرَجَ مُعْتَمِرًا فَأَدْرَكَهُ أَخَّرَ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَرَوَاهُ مُحَمَّدٌ عَنْ مَالِكٍ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ لَمَّا قَلَّدُوا وَجَبَ عَلَى النَّحْرِ فِي الْحَجِّ لَمْ يُمْنَعْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا غَيْرُ هَذَا الْحُكْمِ الَّذِي أَوْجَبَهُ فِيهِ إدْرَاكُهُ لَهُ كَمَا لَوْ قَلَّدَهُ عَلَى أَنْ يَنْحَرَهُ فِي الْحَجِّ وَدَخَلَ مُتَمَتِّعًا لَكَانَ حُكْمُهُ أَنْ لَا يَنْحَرَ فِي عُمْرَتِهِ وَكَانَ عَلَيْهِ أَنْ يُؤَخِّرَهُ حَتَّى يَنْحَرَهُ فِي حَجِّهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ وَذَلِكَ أَنَّ بَدَلَ الصَّيْدِ ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ هَدْيٌ أَوْ إطْعَامٌ أَوْ صِيَامٌ فَأَمَّا الْهَدْيُ فَإِنَّهُ لَا يُنْحَرُ إلَّا بِمَكَّةَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] وَهَلْ يُجْزِئُهُ أَنْ يَنْحَرَهُ بِمِنًى أَمْ لَا؟ ظَاهِرُ قَوْلِهِ هَاهُنَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَيَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِمَكَّةَ وَكَذَلِكَ يَقْتَضِيهِ اسْتِدْلَالُهُ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ} [المائدة: 95] غَيْرَ أَنَّ حُكْمَ هَذَا الْهَدْيِ حُكْمُ غَيْرِهِ مِنْ الْهَدَايَا إنْ سَاقَهُ وَهُوَ مُعْتَمِرٌ أَوْ حَلَالٌ نَحَرَهُ بِمَكَّةَ وَلَوْ سَاقَهُ فِي حَجٍّ فَوَقَفَ بِهِ فِي عَرَفَةَ لَمْ يَجْزِهِ أَنْ يَنْحَرَهُ إلَّا بِمِنًى فِي أَيَّامِ مِنًى قَالَهُ أَشْهَبُ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ.
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ هَدْيٌ

الصفحة 14