كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ الثِّقَةِ عِنْدَهُ عَنْ بُكَيْر بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْأَشَجِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْحُبَابِ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ الْأَنْصَارِيِّ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا» قَالَ مَالِكٌ: وَهُوَ الْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِلْمِ بِبَلَدِنَا أَنَّهُ يُكْرَهُ ذَلِكَ لِنَهْيِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْهُ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) وَقَوْلُهُ نَهَى أَنْ يُنْبَذَ الْبُسْرُ وَالرُّطَبُ دَلِيلٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ أَنْ يُنْبَذَ شَيْئَانِ وَإِنْ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ يُنْبَذَانِ مُفْرَدَيْنِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا يَجُوزُ شُرْبُ الْخَلِيطَيْنِ يُنْبَذَانِ كَذَلِكَ أَوْ يُخْلَطَانِ عِنْدَ الشُّرْبِ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ مِثْلُ عِنَبٍ وَزَبِيبٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ مِثْلُ زَبِيبٍ وَتَمْرٍ فَقَدْ نَهَى عَنْهُ مَالِكٌ إلَّا الْفُقَاعَ فَقَدْ حَكَى ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ أَصْبَغَ أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ تَحْلِيَتُهُ بِالْعَسَلِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِمَّا يُنْبَذُ مُفْرَدًا لِأَنَّ الْفُقَاعَ مِنْ الْقَمْحِ أَوْ الشَّعِيرِ وَكُلُّ وَاحِدٍ يُنْبَذُ مُفْرَدًا فَالْقِيَاسُ أَنْ يُمْنَعَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا غَيْرَ أَنَّ قَوْلَ مَالِكٍ قَدْ اخْتَلَفَ فِي الْعَسَلِ تُطْرَحُ فِيهِ قِطَعُ الْعَجِينِ أَوْ الْحَرِيرَةِ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَهُ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ وَهُوَ أَحَبُّ إلَيَّ وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ أَنَّهُمَا خَلِيطَانِ جِنْسُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَنْتَهِي إلَى السُّكْرِ فَلَمْ نُجِزْ ذَلِكَ فِيهِمَا كَمَا لَوْ خَلَطَهُ بِنَبِيذِ تَمْرٍ وَزَبِيبٍ وَوَجْهُ الْقَوْلِ الثَّانِي وَهُوَ أَنَّ طَرْحَ قِطَعِ الْعَجِينِ تُطْرَحُ فِي الْعَسَلِ أَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ بَابِ الِانْتِبَاذِ لِأَنَّ الْقَمْحَ وَالشَّعِيرَ لَا يُنْبَذُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ وَأَمَّا خَلْطُ الْعَسَلِ وَاللَّبَنِ وَشُرْبُهُمَا فَلَا بَأْسَ بِهِ قَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا لَيْسَ بِانْتِبَاذٍ وَإِنَّمَا هُوَ عَلَى مَعْنَى خَلْطِهِ مَشْرُوبَيْنِ كَشَرَابِ الْوَرْدِ وَشَرَابِ النَّيْلُوفَرِ وَوَجْهٌ ثَانٍ أَنَّ اللَّبَنَ لَا يُفْضِي أَنْ يُسْكِرَ وَقَدْ شَرَطْنَا أَنَّ الْخَلِيطَيْنِ إنَّمَا هُمَا مِمَّا يُفْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى الْإِسْكَارِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَلْ يَجُوزُ خَلْطُهُمَا لِغَيْرِ الِانْتِبَاذِ لَكِنْ عَلَى وَجْهِ التَّخْلِيلِ؟ رَوَى ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا خَيْرَ فِي ذَلِكَ لِلْخَلِّ وَالتَّخْلِيلِ وَالِانْتِبَاذِ فِي ذَلِكَ سَوَاءٌ قَالَ وَقَدْ قَالَ: لَا بَأْسَ بِذَلِكَ لِلْخَلِّ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا قَالَهُ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ التَّعَلُّقُ بِعُمُومِ «نَهْيِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ نَبِيذِ الْخَلِيطَيْنِ» فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ الْخَلُّ وَلَا لِغَيْرِهِ وَلِأَنَّهُ يَصِيرُ نَبِيذًا ثُمَّ يَصِيرُ خَلًّا وَلَمْ يُوَجِّهْ الرِّوَايَةَ الثَّانِيَةَ وَوَجْهُهَا عِنْدِي أَنَّهُ لَا يَقْصِدُ بِذَلِكَ النَّبِيذَ وَإِنَّمَا يَقْصِدُ بِهِ الْخَلَّ وَقَدْ قَالَ: إنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ نَبِيذًا ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَ ذَلِكَ خَلًّا فَلَا يَضُرُّهُ مَا يُعَجِّلُهُ لِأَنَّ تَعْجِيلَهُ لِلنَّبِيذِ يُعَجِّلُهُ لِلْخَلِّ وَإِنَّمَا يُفْسِدُهُ الشُّرْبُ فَإِذَا صَارَ نَبِيذًا فَسَدَ عَلَيْهِ وَلَزِمَهُ إرَاقَتُهُ.

(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ نَبَذَ الْخَلِيطَيْنِ فَقَدْ أَسَاءَ فَإِنْ حَدَثَتْ الشِّدَّةُ الْمُطْرِبَةُ حَرُمَ وَإِنْ لَمْ تَحْدُثْ فَقَدْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ: يَجُوزُ شُرْبُهُ مَا لَمْ يُسْكِرْ وَلَمْ يَذْكُرْ غَيْرَ هَذَا الْوَجْهِ فَاقْتَضَى هَذَا مَعَ مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ فِي الِانْتِبَاذِ أَنَّ فِي تَحْرِيمِ الِانْتِبَاذِ قَوْلًا وَاحِدًا وَإِنْ شَرِبَ مَا قَدْ نُبِذَ مِنْ ذَلِكَ وَلَمْ يَبْلُغْ أَنْ يُسْكِرَ مُبَاحٌ قَوْلًا وَاحِدًا.

(ش) : قَوْلُهُ نَهَى أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنْ يُجْمَعَ نَبِيذَاهُمَا أَوْ يُجْمَعَا فِي الِانْتِبَاذِ فَتَنَاوَلَ ذَلِكَ مَا كَانَا مُخْتَلِطَيْنِ عِنْدَهُ لِلشُّرْبِ فَإِذَا نُبِذَا مُفْتَرِقَيْنِ ثُمَّ خُلِطَا عِنْدَ الشُّرْبِ فَقَدْ تَنَاوَلَهُمَا النَّهْيُ وَقَدْ قَدَّمْنَا ذَلِكَ وَإِنَّمَا قَالَ: يُشْرَبُ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ لِعِلْمِ الْمُخَاطَبِ أَنَّهُ إنَّمَا أَرَادَ أَنْ يُشْرَبَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِمَا وَهُوَ بَعْدَ الِانْتِبَاذِ كَمَا يُقَالُ: فُلَانٌ يَأْكُلُ الْحِنْطَةَ وَفُلَانٌ يَأْكُلُ الشَّعِيرَ وَمَعْنَاهُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ بَعْدَ الطَّحْنِ وَالْعَجْنِ وَالْخَبْزِ وَفُلَانٌ يَأْكُلُ الْأَنْعَامَ وَمَعْنَى ذَلِكَ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ فِيهَا مِنْ الذَّبْحِ وَالطَّبْخِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ أَنْ يُشْرَبَ التَّمْرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا وَالزَّهْوُ وَالرُّطَبُ جَمِيعًا جَمَعَ فِي ذَلِكَ فِي النَّهْيِ بَيْنَ التَّمْرِ وَالزَّبِيبِ وَهُمَا جِنْسَانِ وَعَنْ الْجَمْعِ بَيْنَ الزَّهْوِ وَالرُّطَبِ وَهُمَا جِنْسٌ وَاحِدٌ فَثَبَتَ بِذَلِكَ الْمَنْعُ مِنْ انْتِبَاذِ شَيْئَيْنِ يُفْضِي كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إذَا أُفْرِدَ بِالِانْتِبَاذِ إلَى الْإِسْكَارِ وَجَمْعُهُمَا تَعْجِيلٌ لِذَلِكَ سَوَاءٌ كَانَا مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ أَوْ مِنْ جِنْسَيْنِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَهَذَا إذَا خُلِطَا لِلِانْتِبَاذِ أَوْ خُلِطَ النَّبِيذَانِ وَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ

الصفحة 150