كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَأَمَّا ضَرْبُ أَوْسَاطِ رُءُوسِهِمْ بِالسَّيْفِ فَلَا يَجُوزُ ذَلِكَ إلَّا قَبْلَ الْأَسْرِ لَهُمْ فِي نَفْسِ الْحَرْبِ وَأَمَّا بَعْدَ أَسْرِهِمْ وَالتَّمَكُّنِ مِنْهُمْ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُمَثَّلَ بِهِمْ وَلَا يُعْبَثُ فِي قَتْلِهِمْ وَلَكِنْ تُضْرَبُ أَعْنَاقُهُمْ صَبْرًا إلَّا أَنْ يَكُونُوا قَدْ فَعَلُوا بِالْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِ التَّمْثِيلِ فَيُعْمَلُ بِهِمْ مِثْلُهُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ} [النحل: 126] .
1 -
(فَصْلٌ) :
لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تَقْدِيمُ الدَّعْوَةِ وَالْمُشْرِكُونَ فِي ذَلِكَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: طَائِفَةٌ قَدْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ وَطَائِفَةٌ لَمْ تَبْلُغْهُمْ فَأَمَّا مَنْ بَلَغَتْهُ الدَّعْوَةُ فَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ تُلْتَمَسُ غِرَّتُهُمْ وَيُقَاتَلُونَ دُونَ تَقْدِيمِ دَعْوَةٍ إلَى الْإِسْلَامِ وَهَذِهِ رِوَايَةُ الْعِرَاقِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ وَفِي الْمُدَوَّنَةِ رِوَايَتَانِ عَنْ مَالِكٍ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لَا يُبَيَّتُوا غَزَوْنَاهُمْ نَحْنُ أَوْ أَقْبَلُوا إلَيْنَا غُزَاةً فِي بِلَادِنَا حَتَّى يُدْعَوْا قَالَ: وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ أَيْضًا الدَّعْوَةُ سَاقِطَةٌ عَمَّنْ قَارَبَ الدَّارَ لِعِلْمِهِمْ بِمَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَأَمَّا مَنْ شُكَّ فِي أَمْرِهِ فَخِيفَ أَنْ لَا تَبْلُغَهُ الدَّعْوَةُ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ أَقْطَعُ لِلشَّكِّ وَأَنْزَهُ لِلْجِهَادِ يُبَلَّغُ بِك وَبِهِمْ مَا بُلِّغَ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إنْ بَلَغَتْهُمْ الدَّعْوَةُ فَحَسَنٌ أَنْ يُدْعَوْا قَبْلَ الْقِتَالِ وَإِنْ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ لَمْ يُبْتَدَءُوا بِالْقِتَالِ حَتَّى يُدْعَوْا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ إلَّا أَنْ يَكُونَ خَلْفَ الَّذِينَ يُقَاتِلُونِ قَوْمٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ خَلْفَ الْخُزْرِ وَالتُّرْكِ لَمْ تَبْلُغْهُمْ الدَّعْوَةُ فَلَا يُقَاتَلُوا حَتَّى يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ وَجْهُ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعَثَ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ وَأَبَا نَائِلَةَ إلَى كَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ وَابْنِ أَبِي الْحُقَيْقِ فَبَيَّتُوهُمَا غَارَّيْنِ وَقَتَلُوهُمَا وَلَمْ يُقَدِّمَا دَعْوَةً حِينَ قَتَلَاهُمَا وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا اُحْتُجَّ بِهِ فِي الْمُدَوَّنَةِ أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُمْ بِمَا يُدْعَوْنَ إلَيْهِ وَعَادُوا الدِّينَ وَأَهْلَهُ وَالدَّعْوَةُ لَا تُحْدِثُ لَهُمْ إلَّا تَحْذِيرًا وَإِنْذَارًا وَهُمْ مَعَ ذَلِكَ يَطْلُبُونَ الْغِرَّاتِ وَالْعَوْرَاتِ فَيَجِبُ أَنْ يُلْتَمَسَ مِنْهُمْ وَيُؤْخَذُوا بِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَعَلَى كُلِّ حَالٍ فَيُسْتَحَبُّ أَنْ يُدْعَوْا إلَى الْإِيمَانِ قَبْلَ الْقِتَالِ وَوَجْهُ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ مَا رُوِيَ «أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمَ خَيْبَرَ: نُقَاتِلُهُمْ حَتَّى يَكُونُوا مِثْلَنَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: اُنْفُذْ ثُمَّ اُدْعُهُمْ إلَى شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ فَوَاَللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِك رَجُلًا وَاحِدًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ حُمْرِ النَّعَمِ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ هَذَا حَرْبٌ لِلْمُشْرِكِينَ فَلَزِمَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بِالدَّعْوَةِ كَغَيْرِ الْعَالِمِينَ لِأَنَّ تَجْدِيدَ الدَّعْوَةِ قَدْ يَكُونُ فِيهَا مِنْ التَّذْكِيرِ بِاَللَّهِ وَالْإِيمَانِ بِهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيمَا تَقَدَّمَ.
(فَرْعٌ) إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ هَذَا حُكْمُ الرُّومِ وَأَمَّا الْقِبْطُ فَقَدْ قَرَنَ مَالِكٌ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الرُّومِ فَقَالَ: لَا يُقَاتَلُوا وَلَا يُبَيَّتُوا حَتَّى يُدْعَوْا وَلَا نَرَى الدَّعْوَةَ بَلَغَتْهُمْ وَكَذَلِكَ الْفَرَازِنَةِ قَالَ الْقَاضِي وَهُمْ جِنْسٌ مِنْ الْحَبَشَةِ قَالَ: وَلَمْ يَرَ مَالِكٌ بُلُوغَ الدَّعْوَةِ غِرَّةً فِيهِمْ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ قَدْ اسْتَعْمَلُوا الْكَفَّ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَلَمْ يُعَاجِلُوا بِالْمُحَارَبَةِ وَلَا اسْتَعْمَلُوا طَلَبَ الْغِرَّةِ فَلَمْ يَكُنْ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ وَجْهُ مَضَرَّةٍ وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْمُسْلِمُونَ ظَاهِرِينَ وَلَمْ يَكُنْ فِي تَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ لِمَنْ قَدْ بَلَغَتْهُ وَجْهُ مَضَرَّةٍ فَإِنَّ الدَّعْوَةَ ثَابِتَةٌ فِي حَقِّهِمْ وَلِذَلِكَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَقْدِيمِ الدَّعْوَةِ عَلَى مُحَارَبَةِ أَهْلِ خَيْبَرَ وَقَدْ تَقَدَّمَ عِلْمُهُمْ بِمَا يَدْعُو النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا خِلَافَ فِي ذَلِكَ لِطُولِ الْمُدَّةِ وَقُرْبِ الْمَسَافَةِ.
1 -
(فَرْعٌ) فَإِنْ عُوجِلَ أَحَدٌ مِمَّنْ لَمْ تَبْلُغْهُ الدَّعْوَةُ فَقُتِلَ قَبْلَ أَنْ يُدْعَى إلَى الْإِيمَانِ فَقَدْ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا دِيَةَ فِيهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: الدِّيَةُ عَلَى عَاقِلَةِ الْقَاتِلِ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ: وَلَسْت أَعْرِفُ لِمَالِكٍ فِيهِ نَصًّا وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ قَالَ: وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مِنْ أَصْلِنَا أَنَّ الْمُسْلِمَ إذَا أَقَامَ بِدَارِ الْحَرْبِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخُرُوجِ ثُمَّ قُتِلَ خَطَأً لَمْ تَكُنْ فِيهِ دِيَةٌ فَالْكَافِرُ مِنْهُمْ أَوْلَى إلَّا أَنْ تَكُونَ فِيهِ دِيَةٌ قَالَ: وَأَيْضًا فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنَّنَا مَمْنُوعُونَ مِنْ قَتْلِهِ وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ فِيهِ دِيَةً لِكَوْنِهِ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَقَتْلِ نِسَائِهِمْ وَذَرَارِيِّهِمْ وَكَذَلِكَ الرُّهْبَانُ وَالشَّيْخُ الْفَانِي.

الصفحة 168