كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَبَلَغَ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ) .

(ص) : (سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ فَتَجَهَّزَ حَتَّى إذَا أَرَادَ أَنْ يَخْرُجَ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَقَالَ: لَا أَرَى أَنْ يُكَابِرَهُمَا وَلَكِنْ يُؤَخِّرُ ذَلِكَ إلَى عَامٍ آخَرَ فَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا يَجِدُ مِثْلَ جِهَازِهِ إذَا خَرَجَ فَلْيَصْنَعْ بِجِهَازِهِ مَا شَاءَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQلَا يُنْتَفَعُ بِهَا فِي الْقُفُولِ وَجْهُ مَا قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ أَنَّ الْقُفُولَ مِنْ الْغَزْوِ فَكَانَ لَهُ أَنْ يُنْفِقَ فِيهِ مِنْهُ كَالْمَسِيرِ إلَى بَلَدِ الْعَدُوِّ وَوَجْهُ مَا قَالَهُ مَالِكٌ أَنَّ مَنْ أَخْرَجَ شَيْئًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَدْ عَيَّنَهُ لِلْغَزْوِ وَالْعَوْنِ عَلَى الْعَدُوِّ وَلَيْسَ الْقُفُولُ مِنْهُ بِسَبِيلٍ فَمَنْ فَضَلَ لَهُ مِنْهُ شَيْءٌ بَعْدَ ذَهَابِهِ بِهِ عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ أَوْ عَنْ قُفُولِهِ عَلَى قَوْلِ ابْنِ حَبِيبٍ فَهُوَ مُخَيَّرٌ بَيْنَ أَنْ يَرُدَّهُ إلَى مَنْ أَعْطَاهُ إيَّاهُ أَوْ يُعْطِيَهُ هُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَمَّا الضَّرْبُ الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ الْمُعْطِي الْعَطِيَّةَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْتِلُهَا لِمَنْ أَخَذَهَا بِأَنْ يَقُولَ لَهُ: هَذَا لَك فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَهَذَا يَلْزَمُ الْمُعْطِيَ أَنْ يَتَزَوَّدَ مِنْهُ فِي السَّبِيلِ بِقَدْرِ مَا يَعْلَمُ أَنَّ تِلْكَ الْعَطِيَّةَ تَخْرُجُ لِمِثْلِهِ ثُمَّ يَكُونُ لَهُ بَيْعُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِثَمَنِهِ وَبِهَذَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ يَشْتَرِطُ عَلَيْهِ إذَا بَلَغَ وَادِيَ الْقُرَى يُرِيدُ بَعْدَ قَضَاءِ الْغَزْوِ بِهِ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ كَانَ يَقُولُ: إذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ فَبَلَغَ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاتِهِ فَهُوَ لَهُ) .
(ش) : قَوْلُهُ إذَا أُعْطِيَ الرَّجُلُ الشَّيْءَ فِي الْغَزْوِ وَيُرِيدُ مَا قُلْنَاهُ مِنْ تَبْتِيلِهِ لَهُ عَلَى وَجْهِ الْغَزْوِ بِهِ وَقَوْلُهُ فَبَلَغَ بِهِ رَأْسَ مَغْزَاهُ يُرِيدُ نِهَايَةَ الْغَزْوِ فِي الْقُفُولِ وَمَوْضِعَ تَفَرُّقِ أَهْلِ الْجَيْشِ إلَى مَوَاضِعِهِمْ وَبِلَادِهِمْ وَهَكَذَا كَانَتْ وَادِي الْقُرَى رَأْسَ الْمَغْزَى فِي الْغَزْوِ إلَى الشَّامِ وَقَوْلُهُ فَهُوَ لَهُ يُرِيدُ أَنَّهُ قَدْ مَلَّكَهُ وَكُلَّ مَا لَزِمَهُ لِمُعْطًى فِيهِ مِنْ الْغَزْوِ بِهِ فَلْيَفْعَلْ بِهِ الْمُعْطَى مَا شَاءَ مِنْ بَيْعٍ أَوْ غَيْرِهِ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ الْغَزْوَ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ فَتَجَهَّزَ لَهُ ثُمَّ مَنَعَهُ أَبَوَاهُ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُكَابِرَهُمَا فِي ذَلِكَ الْعَامِ وَلْيُؤَخِّرْ غَزْوَهُ إلَى الْعَامِ الْمُقْبِلِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْجِهَادَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْغَزْوُ وَالْجِهَادُ لِقِيَامِ غَيْرِهِ بِهِ فَهَذَا يَلْزَمُهُ طَاعَةُ أَبَوَيْهِ فِي الْمَنْعِ مِنْهُ مُؤْمِنَيْنِ كَانَا أَوْ كَافِرَيْنِ قَالَهُ سَحْنُونٌ: وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: «جَاءَ رَجُلٌ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَشَارَهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: أَلَكَ أَبَوَانِ؟ فَقَالَ: نَعَمْ قَالَ: فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ» وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى إنَّ طَاعَةَ أَبَوَيْهِ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ وَالْجِهَادَ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ وَفُرُوضُ الْأَعْيَانِ آكَدُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَتَعَيَّنَ عَلَى الْمُكَلَّفِ الْجِهَادُ وَهُوَ يَتَعَيَّنُ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُوجِبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ بِنَذْرٍ أَوْ قَسَمٍ وَالثَّانِي أَنْ يَجِبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ وَيَتَعَيَّنَ عَلَيْهِ لِقُوَّةِ الْعَدُوِّ وَضَعْفِ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ، فَأَمَّا إنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ فَلْيَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ، وَإِنْ كَانَ وَجَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ بِأَصْلِ الشَّرْعِ لَمْ يَمْتَنِعْ مِنْهُ لِمَنْعِ أَبَوَيْهِ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ حَقَّ أَبَوَيْهِ قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ فَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسْقِطَهُ بِنَذْرٍ يُلْزِمُهُ نَفْسَهُ وَلَيْسَ كَذَلِكَ مَا ثَبَتَ بِأَصْلِ الشَّرْعِ فَإِنَّهُ يَجِبُ بِالْوَجْهِ الَّذِي وَجَبَ بِهِ حَقُّ أَبَوَيْهِ فَإِذَا كَانَ آكَدَ مِنْ حَقِّ أَبَوَيْهِ لَمْ يَكُنْ لَهُمَا الْمَنْعُ مِنْهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَأَمَّا الْجِهَازُ فَإِنِّي أَرَى أَنْ يَرْفَعَهُ حَتَّى يَخْرُجَ بِهِ يُرِيدُ أَنْ هَذَا الْأَفْضَلُ لَهُ لِأَنَّهُ مَالٌ قَدْ نَوَى بِهِ الْبِرَّ وَسَبَّبَهُ لِلْغَزْوِ فَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يَرْجِعَ عَنْ ذَلِكَ فَإِنْ أَمْسَكَهُ كَذَلِكَ فَمَاتَ قَبْلَ الْغَزْوِ بِهِ فَإِنَّهُ مِيرَاثٌ سَوَاءٌ أَمْسَكَهُ عِنْدَهُ أَوْ جَعَلَهُ عَلَى يَدِ غَيْرِهِ لِأَنَّهُ كَصَدَقَةٍ نَذَرَهَا وَلَمْ يُنْفِذْهَا، فَإِنْ أَشْهَدَ بِإِنْفَاذِهَا فَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُشْهِدَ بِإِنْفَاذِهَا إنْ مَاتَ فَهَذِهِ تَكُونُ مِنْ الثُّلُثِ وَالثَّانِي أَنْ يُشْهِدَ بِإِنْفَاذِهَا عَلَى كُلِّ حَالٍ فَهَذِهِ تَكُونُ مِنْ رَأْسِ الْمَالِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَإِنْ خَشِيَ أَنْ يَفْسُدَ بَاعَهُ وَأَمْسَكَ ثَمَنَهُ حَتَّى يَشْتَرِيَ بِهِ مَا يُصْلِحُهُ لِلْغَزْوِ يُرِيدُ أَنْ يَكُونَ جِهَازُهُ ذَلِكَ مِمَّا يَفْسُدُ وَيَتَغَيَّرُ كَالْأَزْوَادِ وَالْأَطْعِمَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُسْرِعُ إلَيْهِ الْفَسَادُ فَإِنَّهُ يَبِيعُهُ وَيُمْسِكُ.

الصفحة 175