كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (وَسُئِلَ مَالِكٌ عَنْ الرَّجُلِ يَخْرُجُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ أَوْ لِتِجَارَةٍ فَيَشْتَرِي الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ فَقَالَ: أَمَّا الْحُرُّ فَإِنَّ مَا اشْتَرَاهُ بِهِ دَيْنٌ عَلَيْهِ وَلَا يُسْتَرَقُّ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَهُوَ حُرٌّ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَهُوَ دَيْنٌ عَلَى الْحُرِّ بِمَنْزِلَةِ مَا اُشْتُرِيَ بِهِ وَأَمَّا الْعَبْدُ فَإِنَّ سَيِّدَهُ الْأَوَّلَ مُخَيَّرٌ فِيهِ إنْ شَاءَ أَنْ يَأْخُذَهُ وَيَدْفَعَ إلَى الَّذِي اشْتَرَاهُ ثَمَنَهُ فَذَلِكَ لَهُ وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُسَلِّمَهُ أَسْلَمَهُ وَإِنْ كَانَ وُهِبَ لَهُ فَسَيِّدُهُ الْأَوَّلُ أَحَقُّ بِهِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ أَعْطَى فِيهِ شَيْئًا مُكَافَأَةً فَيَكُونُ مَا أُعْطِيَ فِيهِ غُرْمًا عَلَى سَيِّدِهِ إنْ أَحَبَّ أَنْ يَفْتَدِيَهُ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي ذِمَّتِهِ وَإِنْ كَانَ مَيِّتًا بَطَلَ حَقُّهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا هِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَصِحُّ لِمَنْ هِيَ فِي يَدِهِ أَنْ يَمْلِكَهَا فَهِيَ بِمَنْزِلَةِ الْحُرَّةِ فِي حَقِّهِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ سَيِّدَهَا يُكَلَّفُ أَنْ يَفْتَدِيَهَا إذَا جُرِحَتْ يُرِيدُ أَنَّهَا لَوْ جُنَّتْ عَلَى أَحَدٍ لَكُلِّفَ سَيِّدُهَا أَنْ يَفْتَدِيَهَا فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ ذَلِكَ فِي وُجُوبِ افْتِدَائِهَا عَلَيْهِ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الْجِنَايَةِ يَقْتَضِي أَنَّ عَلَى سَيِّدِهَا أَنْ يَفْتَكَّهَا مِمَّنْ هِيَ فِي يَدِهِ بِالْأَقَلِّ مِنْ الثَّمَنِ، وَالْقِيمَةُ كَالْجِنَايَةِ إنَّمَا هِيَ الْأَقَلُّ مِنْ الْأَرْشِ وَالْقِيمَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُسَلِّمَ أُمَّ وَلَدِهِ تُسْتَرَقُّ وَيُسْتَحَلُّ فَرْجُهَا يُرِيدُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لَهُ ذَلِكَ فَيُجْبَرُ عَلَى افْتِكَاكِهَا.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الرَّجُلَ إذَا خَرَجَ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ فِي الْمُفَادَاةِ أَوْ التِّجَارَةِ الْخُرُوجُ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: الْجِهَادُ وَالْمُفَادَاةُ وَالتِّجَارَةُ فَأَمَّا دُخُولُ أَرْضِ الْحَرْبِ لِلْجِهَادِ فَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَفَضْلُهُ وَأَمَّا دُخُولُهَا لِلْمُفَادَاةِ وَدُخُولُهَا لِلتِّجَارَةِ فَقَالَ سَحْنُونٌ: مَنْ رَكِبَ الْبَحْرَ إلَى بِلَادِ الرُّومِ فِي طَلَبِ الدُّنْيَا فَهِيَ جُرْحَةٌ وَنَهَى عَنْ التِّجَارَةِ إلَى أَرْضِ السُّودَانِ لِأَنَّ أَحْكَامَ الْكُفْرِ تَجْرِي هُنَاكَ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَيَشْتَرِي الْحُرَّ أَوْ الْعَبْدَ أَوْ يُوهَبَانِ لَهُ أَمَّا شِرَاءُ الْحُرِّ فَإِنَّهُ لَا يَصِحُّ إلَّا بِأَنْ لَا يَعْلَمَ أَنَّهُ حُرٌّ فَاشْتَرَاهُ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ ذَلِكَ وَلَعَلَّهُ سَمَّى الْفِدَاءَ شِرَاءً وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ أَنَّ فِدَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَتَخْلِيصَهُمْ مِنْ أَيْدِي الْمُشْرِكِينَ وَاجِبٌ لَازِمٌ رَوَاهُ أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ قَالَ: وَلَوْ لَمْ يَقْدِرُوا أَنْ يَفْتَدُوهُمْ إلَّا بِكُلِّ مَا يَمْلِكُونَ فَذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَقَالَ أَشْهَبُ لَمَّا سُئِلَ عَنْ فِدَائِهِمْ بِالْخَمْرِ: لَا يُفْدَوْنَ بِهَا وَلَا يُدْخَلُ فِي نَافِلَةٍ بِمَعْصِيَةٍ فَسَمَّاهَا نَافِلَةً وَلَعَلَّ هَذَا أَنْ يَكُونَ رَأْيَ أَشْهَبَ.
وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ خِلَافُهُ وَجُمْهُورُ أَصْحَابِنَا عَلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «أَطْعِمُوا الْجَائِعَ وَعُودُوا الْمَرِيضَ وَفُكُّوا الْعَانِيَ» وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى مَا احْتَجَّ بِهِ مَالِكٌ مِنْ أَنَّهُ يَلْزَمُ الْقِتَالُ لِاسْتِنْقَاذِهِمْ وَفِيهِ إتْلَافُ الْمُهَجِ وَسَفْكُ الدِّمَاءِ فَبِأَنْ يَلْزَمَ اسْتِنْقَاذُهُمْ بِالْمَالِ أَوْلَى وَفِي هَذَا الْبَابِ خَمْسُ مَسَائِلَ: إحْدَاهَا فِيمَا يَجُوزُ فِدَاؤُهُمْ بِهِ وَالثَّانِيَةُ فِي الْحُكْمِ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ إنْ لَمْ يَتَّفِقْ الْفِدَاءُ وَالثَّالِثَةُ فِي وُجُوبِ الرُّجُوعِ عَلَى الْأَسِيرِ بِمَا فُدِيَ وَالرَّابِعَةُ فِي تَبْيِينِ مَنْ لَا يُرْجَعُ عَلَيْهِ بِالْفِدَاءِ وَالْخَامِسَةُ فِي تَدَاعِي الْأَسِيرِ وَالْمُفَادِي فِي مَبْلَغِ الْفِدَاءِ فَأَمَّا الْأُولَى فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِيهَا فَذَهَبَ ابْنُ الْقَاسِمِ إلَى أَنَّهُ يُفْدِي مِنْ الْأَمْوَالِ بِمَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ وَلَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ فَأَمَّا مَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ مِنْ رَقِيقِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يُفْدَوْنَ بِهِ لِأَنَّهُ فِدَاءُ مُسْلِمٍ بِمُسْلِمٍ وَحَقُّهُمَا وَاحِدٌ فِي وُجُوبِ الِاسْتِنْقَاذِ مِنْهُمْ وَكَذَلِكَ الْخَمْرُ وَالْخِنْزِيرُ فَإِنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَلِّكَهُمْ شَيْئًا مِنْهُ وَكَذَلِكَ مَا يَتَقَوَّوْنَ بِهِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ كَالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ لِأَنَّهُمْ يَرْفَعُونَ إلَيْنَا أَسِيرًا وَاحِدًا وَيَتَقَوَّوْنَ بِمَا يَصِيرُ إلَيْهِمْ مِنْ الْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ عَلَى جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ وَأَشْهَبُ: يُفْدَوْنَ بِجَمِيعِ أَنْوَاعِ الْمَالِ مِمَّا يُمْكِنُنَا نَحْنُ أَنْ نَمْلِكَهُ وَنُمَلِّكَهُمْ إيَّاهُ فَأَجَازَا فِدَاءَهُمْ بِالْخَيْلِ وَالسِّلَاحِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْخَيْلَ وَالسِّلَاحَ قُوَّتُهُمْ بِهَا مُتَرَقَّبَةٌ مُؤَجَّلَةٌ وَإِذَايَتُهُمْ لِهَذَا الْمُسْلِمِ مَوْجُودَةٌ وَقَالَ سَحْنُونٌ: يُفْدَوْنَ بِكُلِّ شَيْءٍ حَاشَا الْمُسْلِمِينَ فَجَوَّزَ فِدَاءَهُمْ بِالْخَمْرِ فَقَالَ: تُبْتَاعُ لَهُمْ الْخَمْرُ لِلْفِدَاءِ وَهِيَ ضَرُورَةٌ

الصفحة 187