كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ قَالَ: سَمِعْت رَجُلًا يَسْأَلُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ: الْفَرَسُ مِنْ النَّفْلِ وَالسَّلَبُ مِنْ النَّفْلِ قَالَ: ثُمَّ عَادَ الرَّجُلُ لِمَسْأَلَتِهِ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ ذَلِكَ أَيْضًا ثُمَّ قَالَ الرَّجُلُ: الْأَنْفَالُ الَّتِي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ مَا هِيَ؟ قَالَ الْقَاسِمُ: فَلَمْ يَزَلْ يَسْأَلُهُ حَتَّى كَادَ أَنْ يُحْرِجَهُ ثُمَّ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَتَدْرُونَ مَا مِثْلُ هَذَا؟ مِثْلُ صَبِيغٍ الَّذِي ضَرَبَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQسَلَبَهُ يُرِيدُ أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ مِنْ أُسْدِ الْمُؤْمِنِينَ فَأَضَافَهُ إلَى اللَّهِ لَمَّا كَانَ عَمَلُهُ لِلَّهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} [الإنسان: 6] فَأَضَافَهُمْ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لَمَّا كَانُوا عَامِلِينَ لَهُ وَقَوْلُهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ يُقَاتِلُ لِتَكُونَ كَلِمَتُهُمَا الْعُلْيَا وَدِينُهُمَا الظَّاهِرَ وَأَضَافَ السَّلَبَ إلَى الْقَاتِلِ بِقَوْلِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ لَمَّا كَانَ قَدْ اسْتَحَقَّهُ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ فَاسْتَحَقَّ بِذَلِكَ كُلُّ قَاتِلٍ سَلَبَ قَتِيلِهِ بِعَيْنِهِ وَإِنَّمَا وُقِفَ تَسْلِيمُهُ لِوُجُودِ الْبَيِّنَةِ بِذَلِكَ وَلَمَّا اسْتَحَقَّ أَبُو قَتَادَةَ سَلَبَ ذَلِكَ الْقَتِيلِ بِعَيْنِهِ مَلَكَ أَعْيَانَ السَّلَبِ وَلَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يُعَوِّضَهُ مِنْهُ إلَّا بِاخْتِيَارِهِ فَلِذَلِكَ مَنَعَ أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَإِنْ عُوِّضَ مِنْهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ يَقْتَضِي أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُقَاتِلِينَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مُسْتَحِقٌّ سَلَبَ الْقَتِيلِ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ لَا يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّهُ غَيْرُ دَاخِلٍ تَحْتَ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَدَقَ فَأَعْطِهِ إيَّاهُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ بِالْمَنْعِ مِنْ أَخْذِ الرَّجُلِ لِسَلَبِ قَتِيلِ أَبِي قَتَادَةَ وَأَمْرًا لَهُ بِإِعْطَائِهِ أَبَا قَتَادَةَ مَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ سَلَبِهِ لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ كَانَ أَوْجَبَهُ لَهُ بِقَوْلِهِ مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ فَأَعْطَاهُ إيَّاهُ الرَّجُلُ فَبَاعَ أَبُو قَتَادَةَ الدِّرْعَ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ السَّلَبِ قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا وَالْمَخْرَفُ الْبُسْتَانُ تَكُونُ فِيهِ الْفَاكِهَةُ مِنْ التَّمْرِ وَغَيْرِهِ وَالْخُرْفَةُ هِيَ الْفَاكِهَةُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّمْرَ مِنْ جُمْلَةِ الْفَاكِهَةِ لِأَنَّهُ سَمَّى بَسَاتِينَ الْمَدِينَةِ بِهَا وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ غَيْرَ النَّخِيلِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَنَخْلٌ وَرُمَّانٌ بِعَطْفِ النَّخْلِ وَالرُّمَّانِ عَلَى الْفَاكِهَةِ فَعَلَى مَعْنَى التَّأْكِيدِ وَكَذَلِكَ قَالَ تَعَالَى {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} [البقرة: 98] فَعَطَفَ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُمَا مِنْ أَفَاضِلِ الْمَلَائِكَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ يُرِيدُ بِالْمَالِ هَهُنَا الْأَصْلَ الَّذِي لَا يُنْقَلُ وَلَا يُحَوَّلُ لِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّهُ قَدْ مَلَكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ مَالٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِذَلِكَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَكُنْ اتَّخَذَهَا عَلَى مَعْنَى التَّأَثُّلِ وَإِنَّمَا اتَّخَذَهَا لِلْحَاجَةِ إلَيْهَا بِالِاسْتِعْمَالِ كَالثَّوْبِ يَلْبَسُهُ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ عَلَى مَعْنَى التَّأَثُّلِ.

(ش) : سُؤَالُ الرَّجُلِ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ عَنْ الْأَنْفَالِ ظَاهِرُهُ أَنَّهُ سَأَلَهُ عَنْ الْأَنْفَالِ الْمَذْكُورَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنْفَالِ قُلِ الأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ} [الأنفال: 1] قَالَ عِكْرِمَةُ وَمُجَاهِدُ وَابْنُ عَبَّاسٍ: هِيَ الْغَنَائِمُ قِيلَ: وَالْأَنْفَالُ جَمْعُ نَفْلٍ وَإِنَّمَا سُمِّيَتْ الْغَنِيمَةُ نَفْلًا لِأَنَّهَا تَفَضُّلٌ مِنْ اللَّهِ عَلَى النَّاسِ.
وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا: الْأَنْفَالُ هِيَ الزِّيَادَاتُ الَّتِي يَزِيدُهَا الْأَئِمَّةُ لِلنَّاسِ إذَا شَاءُوا ذَلِكَ وَلَوْ كَانَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ وَقَالَ الْحَسَنُ: الْأَنْفَالُ مَا شَذَّ مِنْ الْعَدُوِّ وَمِنْ عَبْدٍ أَوْ دَابَّةٍ لِلْإِمَامِ أَنْ يُعْطِيَ ذَلِكَ مَنْ شَاءَ فَمَنْ قَالَ: إنَّ الْأَنْفَالَ هِيَ الْغَنَائِمُ قَالَ: إنَّ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ} [الأنفال: 41] وَمَنْ قَالَ بِالْقَوْلَيْنِ بَعْدَهُ جَعَلَهَا مُحْكَمَةً فَإِذَا تَقَرَّرَ مَا ذَكَرْنَاهُ وَاحْتُمِلَ أَنْ يَكُونَ سُؤَالُ الرَّجُلِ عَنْ الْأَنْفَالِ الْمَذْكُورَةِ فَكَانَ سُؤَالُهُ عَنْ مَعْنَى هَذِهِ اللَّفْظَةِ وَمُقْتَضَاهَا فَأَجَابَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ بِذِكْرِ مَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا وَهُوَ بَعْضُهَا وَإِنَّمَا يَكُونُ هَذَا جَوَابًا لِمَنْ عَرَفَ أَنَّ الْأَنْفَالَ هِيَ الزِّيَادَةُ الَّتِي.

الصفحة 193