كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

لَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ إلَّا مِنْ الْخَيْلِ لِأَنَّ اللَّهَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَالَ فِي كِتَابِهِ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً} [النحل: 8] وَقَالَ {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60] قَالَ مَالِكٌ: وَأَنَا أَرَى الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ إذَا أَجَازَهَا الْوَالِي وَقَدْ قَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: وَسُئِلَ عَنْ الْبَرَاذِينِ هَلْ فِيهَا مِنْ صَدَقَةٍ فَقَالَ: وَهَلْ فِي الْخَيْلِ مِنْ صَدَقَةٍ)
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: الْبَرَاذِينُ هِيَ الْعِظَامُ يُرِيدُ الْجَافِيَةَ الْخِلْقَةُ الْغَلِيظَةَ الْأَعْضَاءُ وَلَيْسَتْ الْعِرَابُ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا أَضْمَرُ وَأَرَقُّ أَعْضَاءً وَأَحْلَى خِلْقَةً وَأَمَّا الْهُجُنُ فَهِيَ الَّتِي أَبُوهَا عَرَبِيٌّ وَأُمُّهَا مِنْ الْبَرَاذِينِ فَهِيَ مِنْ الْهُجُنِ وَذَهَبَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي قَوْلِهِ هَذَا إلَى أَحَدِ مَعْنَيَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ وَاقِعٌ عَلَى جَمِيعِهَا وَإِنْ افْتَرَقَتْ فِي أَنْوَاعِهَا فَمِنْهَا الْعِرَابُ وَمِنْهَا الْهُجُنُ وَالْمَعْنَى أَنْ يُرِيدَ أَنَّهَا مِنْ الْخَيْلِ أَيْ أَنَّ حُكْمَهَا حُكْمُهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ اسْمُ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُهَا وَمِنْ ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «إنَّ الْأَشْعَرِيِّينَ إذَا أَمْلَقُوا جَمَعُوا أَزْوَادَهُمْ وَتَسَاوَوْا فِيهَا فَهُمْ مِنِّي وَأَنَا مِنْهُمْ» لَمْ يُرِدْ أَنَّهُ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فِي النَّسَبِ وَلَا أَنَّهُمْ مِنْ قُرَيْشٍ وَإِنَّمَا أَرَادَ أَنَّ خُلُقَهُمْ فِي الْمُسَاوَاةِ أَقْرَبُ الْأَخْلَاقِ إلَى خُلُقِهِ الْكَرِيمِ الْعَظِيمِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَاسْتِدْلَالُ مَالِكٍ بِالْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ لِأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ} [النحل: 8] فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ ذِكْرَ الْحَيَوَانِ الْمُشَارِ إلَى رُكُوبِهِ وَالْحِمْلِ عَلَيْهِ لِيُعَدِّدَ نِعَمَهُ عَلَيْنَا بِذِكْرِ الْأَنْعَامِ وَمَا نَحْمِلُ عَلَيْهِ مِنْهَا ثُمَّ ذَكَرَ الْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتَوْعَبَ هَذَا الْجِنْسَ وَلَمْ يَذْكُرْ الْهُجُنَ وَلَا الْبَرَاذِينَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ اسْمَ الْخَيْلِ يَتَنَاوَلُهَا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَقَالَ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] الْآيَةُ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ إذَا ثَبَتَ بِالْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ أَنَّ الْهُجُنَ وَالْبَرَاذِينَ مِنْ الْخَيْلِ ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} [الأنفال: 60] ثَبَتَ أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِمَّا سَمَّى اللَّهُ لِأَنَّهَا مِمَّا قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ تُرْبَطَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لِيُذْهَبَ بِهَا إلَى الْعَدُوِّ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُ مَالِكٍ وَأَنَا أَرَى أَنَّ الْبَرَاذِينَ وَالْهُجُنَ مِنْ الْخَيْلِ إذَا أَجَازَهَا الْوَالِي يُرِيدُ أَنَّ حُكْمَهَا إنْ سُهِمَ لَهَا كَحُكْمِ الْخَيْلِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إذَا أَشْبَهَتْ الْخَيْلَ فِي الْقِتَالِ عَلَيْهَا وَالطَّلَبِ بِهَا أُسْهِمَ لَهَا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا الْمَقْصُودَ مِنْ الْخَيْلِ الْكَرُّ وَالْفَرُّ عَلَيْهَا وَالطَّلَبُ بِهَا وَلَمْ يَشْتَرِطْ ابْنُ حَبِيبٍ إجَازَةَ الْوَالِي لَهَا وَإِنَّمَا اشْتَرَطَهُ مَالِكٌ لِئَلَّا يَكُونَ مِنْ التَّخَلُّقِ وَالدَّنَاءَةِ بِحَيْثُ لَا يُنْتَفَعُ بِهَا وَلَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهَا فَمِثْلُ هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يُجِيزَهُ الْوَالِي وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ: إذَا لَمْ يَكُنْ بِهَا عَيْبٌ لَا يُقَاتَلُ عَلَى مِثْلِهَا قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: وَذَلِكَ عِنْدِي إلَى الْعَيْبِ إذَا كَانَ الْعَيْبُ أَمْرًا ثَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهَا مِنْهُ وَأَمَّا مَا يُرْجَى بُرْؤُهَا مِنْهُ بِالْقُرْبِ كَالرَّهِيصِ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ السَّهْمَ قَالَ سَحْنُونٌ وَإِذَا دَخَلَ دَارَ الْحَرْبِ بِفَرَسٍ لَا يَقْدِرُ أَنْ يُقَاتِلَ عَلَيْهِ مِنْ كِبَرٍ أَوْ مِمَّنْ صَعُبَ لَا يُرْكَبُ فَهُوَ رَاجِلٌ وَلَمْ يَكُنْ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يُجِيزَهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يَتَفَقَّدَ أَمْرَ الْخَيْلِ فَيُمَيِّزَ مِنْهَا مَا يَجِبُ إجَازَتُهُ وَيَرُدَّ مِنْهَا مَا يَجِبُ رَدُّهُ مِمَّا لَا مَنْفَعَةَ فِيهِ وَلَا يُمْكِنُ الْقِتَالُ عَلَيْهِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنَاثُ الْخَيْلِ بِمَنْزِلَةِ ذُكُورِهَا يُسْهَمُ لَهَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْ مَالِكٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُمْكِنُ عَلَيْهَا مِنْ الْقِتَالِ وَالطَّلَبِ مَا يُمْكِنُ عَلَى ذُكُورِهَا فَوَجَبَ أَنْ يُسْهَمَ لَهَا كَمَا يُسْهَمُ لِلذُّكُورِ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا صِغَارُ الْخَيْلِ لَا مَرْكَبَ فِيهَا وَلَا حِمْلَ فَلَا يُسْهَمُ لَهَا فَإِنْ كَانَ فِيهِ الْقُوَّةُ عَلَى ذَلِكَ أُسْهِمَ لَهُ قَالَهُ ابْنُ حَبِيبٍ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَذَا مِمَّا لَا يُقَاتَلُ عَلَى مِثْلِهِ وَلَا يُنْتَفَعُ بِهِ فِي فِرَارٍ وَلَا طَلَبٍ فَلَا يُسْهَمُ لَهُ كَالْكَثِيرِ.
1 -
(فَرْعٌ) وَلَوْ دَخَلَ بِفَرَسٍ صَغِيرٍ فَبَقِيَ فِي أَرْضِ الْعَدُوِّ حَتَّى كَبِرَ وَصَارَ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ فَلَهُ مِنْ يَوْمَئِذٍ سَهْمُ فَرَسٍ دُونَ مَا قَبْلَ ذَلِكَ رَوَاهُ ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَنْ بَلَغَ مِنْ الصِّبْيَانِ بِأَرْضِ

الصفحة 197