كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ عَنْ ابْنِ أَبِي عَمْرَةَ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِيَّ قَالَ: «تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ وَأَنَّهُمْ ذَكَرُوهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ لِذَلِكَ فَزَعَمَ زَيْدٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ: فَفَتَحْنَا مَتَاعَهُ فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ مَا يُسَاوِينَ دِرْهَمَيْنِ» ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْعَارُ وَأَنْشَدَ لِلْقَطَامِيِّ
وَنَحْنُ رَعِيَّةٌ وَهُمْ رُعَاةٌ ... وَلَوْلَا رَعْيُهُمْ شَنَعَ الشَّنَارُ
فَأَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَدَاءِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْمَغْنَمِ فَمَنْ أَخَذَ مِنْهُ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ فَهُوَ عَلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَارٌ وَنَارٌ وَشَنَارٌ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ ثُمَّ تَنَاوَلَ مِنْ الْأَرْضِ وَبَرَةً مِنْ بَعِيرٍ أَوْ شَيْئًا يُرِيدُ مَا هُوَ غَايَةٌ فِي النِّذَارَةِ وَالْقِلَّةِ وَالْقَذَرِ ثُمَّ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لِي مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ إلَّا الْخُمُسُ يُرِيدُ أَنَّ أَرْبَعَةَ أَخْمَاسِهِ لَهُمْ لَا حَقّ لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ وَإِنَّمَا لَهُ أَخْذُ الْخُمُسِ فَهُوَ لَهُ بِمَعْنَى التَّصَرُّفِ وَالِاجْتِهَادِ فِي رَدِّهِ عَلَيْهِمْ وَلِذَلِكَ قَالَ: وَالْخُمُسُ مَرْدُودٌ عَلَيْكُمْ يُرِيدُ ذَلِكَ الْخُمُسَ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْغَنِيمَةِ شَيْءٌ يُوصَفُ بِالْخُمُسِ يَنْفَرِدُ بِحُكْمٍ غَيْرَ الْخُمُسِ الَّذِي تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْخُمُسَ إنَّمَا يَصْرِفُهُ الْإِمَامُ عَلَى قَدْرِ مَا يَرَى مِنْ اجْتِهَادِهِ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ حَقٌّ مُعَيَّنٌ لِأَحَدٍ.

(ش) : قَوْلُهُ تُوُفِّيَ رَجُلٌ يَوْمَ حُنَيْنٍ كَذَا وَقَعَ فِي كَثِيرٍ مِنْ النُّسَخِ وَهُوَ غَلَطٌ وَالصَّوَابُ يَوْمَ خَيْبَرَ وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الْإِثْبَاتُ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ قَالَ: فَوَجَدْنَا خَرَزَاتٍ مِنْ خَرَزِ يَهُودٍ وَلَمْ يَكُنْ يَوْمَ حُنَيْنٍ يَهُودٌ يُؤْخَذُ خَرَزُهُمْ وَالْقِصَّةُ مَشْهُورَةٌ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ إذْ فُتِحَتْ خَيْبَرُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَذَكَرُوا وَفَاتَهُ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِكَيْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ رَجَاءَ بَرَكَةِ صَلَاتِهِ وَدُعَائِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ امْتِنَاعًا مِمَّا قَصَدُوهُ فَذُكِرَ ذَلِكَ لَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ مِنْ الصَّلَاةِ إلَّا عَلَى مَنْ لَا تُرْضَى حَالُهُ وَأَنَّهُ قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ أَحْدَثَ حَدَثًا يَمْنَعُهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ إمَّا بِخَبَرِهِ بِذَلِكَ عِنْدَ مَنْ يَشْهَدُ بِذَلِكَ عَلَيْهِ أَوْ بِوَحْيٍ إلَيْهِ وَهَذِهِ سُنَّةٌ فِي امْتِنَاعِ الْأَئِمَّةِ وَأَهْلِ الْفَضْلِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى أَهْلِ الْكَبَائِرِ عَلَى وَجْهِ الرَّدْعِ وَالزَّجْرِ عَنْ مِثْلِ فِعْلِهِمْ وَأَمْرُ غَيْرِهِ بِالصَّلَاةِ عَلَيْهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ لَهُمْ حُكْمَ الْإِيمَانِ لَا يَخْرُجُونَ عَنْهُ بِمَا أَحْدَثُوهُ مِنْ مَعْصِيَةٍ وَقَدْ رَوَى ابْنُ سَحْنُونٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ مَعْنٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُصَلَّى عَلَى مَنْ غَلَّ وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ غَيْرُ الْإِمَامِ وَالثَّانِي أَنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ صَلَّى وَإِنْ شَاءَ تَرَكَ وَأَنَّ مَا فَعَلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الِامْتِنَاعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ غَلَّ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْمَنْعِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ رَأَى ذَلِكَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ أَفْضَلَ وَأَنَّ لِمَنْ رَأَى الصَّلَاةَ فِي وَقْتٍ تَكُونُ الصَّلَاةُ أَفْضَلَ أَنْ يُصَلِّيَ وَقَدْ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْمُنَافِقِينَ: إنِّي خُيِّرْت فَاخْتَرْت.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَتَغَيَّرَتْ وُجُوهُ النَّاسِ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ وُجُوهَ الْمُؤْمِنِينَ لِامْتِنَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَنْ هُوَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ وَلَا يَعْلَمُونَ لَهُ ذَنْبًا انْفَرَدَ بِهِ فَخَافُوا أَنْ يَكُونَ مَا مَنَعَ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ أَمْرًا يَشْمَلُهُمْ فَيَهْلِكُونَ بِذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ قَبِيلَةً وَطَائِفَةً تَغَيَّرَتْ وُجُوهُهُمْ لِمَا يَخُصُّهُمْ مِنْ أَمْرِهِ وَلَمَّا خَافُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ لِمَعْنًى شَائِعٍ فِيهِمْ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إنَّ صَاحِبَكُمْ قَدْ غَلَّ عَلَى وَجْهِ التَّبْيِينِ لِلْمَعْنَى الَّذِي مَنَعَهُ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ وَفِي ذَلِكَ زَجْرٌ عَنْ الْغُلُولِ وَإِذْهَابٌ لِمَا فِي نَفْسِ مَنْ لَمْ يَغُلَّ وَأَمَانٌ لَهُ مِنْ امْتِنَاعِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَيْهِ وَلَمَّا سَمِعَ الْمُسْلِمُونَ ذَلِكَ فَتَحُوا مَتَاعَهُ لِيَنْظُرُوا هَلْ يَجِدُوا مِمَّا غَلَّ فِيهِ فَيَرُدُّوهُ إلَى الْغَنَائِمِ

الصفحة 200