كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَامَ خَيْبَرَ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرِقًا إلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ قَالَ: فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ فَتَوَجَّهَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى وَادِي الْقُرَى حَتَّى إذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذْ جَاءَهُ سَهْمٌ غَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَ يَوْمَ حُنَيْنٍ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا قَالَ: فَلَمَّا سَمِعَ النَّاسُ ذَلِكَ جَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : قَوْلُهُ عَامَ حُنَيْنٍ كَذَا قَالَ عَنْ مَالِكٍ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى وَابْنُ الْقَاسِمِ وَالْقَعْنَبِيُّ وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ الرُّوَاةِ عَنْ مَالِكٍ عَامَ خَيْبَرَ وَقَوْلُهُ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرَقًا إلَّا الْأَمْوَالَ الثِّيَابَ وَالْمَتَاعَ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْأَمْوَالِ الثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ دُونَ الْوَرَقِ وَالذَّهَبِ وَيُقَالُ: إنَّهَا لُغَةُ دَوْسٍ وَالْأَظْهَرُ مِنْ لُغَةِ سَائِرِ الْعَرَبِ أَنَّ الْمَالَ كُلُّ مَا تُمُوِّلَ وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ يَكُونُ قَوْلُهُ إلَّا الْأَمْوَالَ الْمَتَاعَ وَالثِّيَابَ اسْتِثْنَاءً مِنْ غَيْرِ جِنْسٍ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى الْأَمْوَالَ الَّتِي هِيَ الْمَتَاعُ وَالثِّيَابُ مِمَّا لَيْسَ بِمَالٍ وَهِيَ الذَّهَبُ وَالْوَرَقُ وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا آخَرَ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الْمَالِ وَاقِعًا عَلَى الْوَرَقِ وَالذَّهَبِ وَالثِّيَابِ وَالْمَتَاعِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ فَلَمْ نَغْنَمْ ذَهَبًا وَلَا وَرَقًا بِمَعْنَى أَنَّهُ لَمْ يَغْنَمْ مِنْ الْمَالِ مَا هَذِهِ صِفَتُهُ ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ: إلَّا الْأَمْوَالَ الَّتِي هِيَ الثِّيَابُ وَالْمَتَاعُ فَيَكُونُ اسْتِثْنَاءً مِنْ الْجِنْسِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَهْدَى رِفَاعَةُ بْنُ زَيْدٍ الْجُذَامِيُّ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غُلَامًا أَسْوَدَ يُقَالُ لَهُ مِدْعَمٌ وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْبَلُ الْهَدِيَّةَ مِنْ كُلِّ فَرْدٍ مِنْهُمْ قَالَ سَحْنُونٌ فِي كِتَابِ ابْنِهِ: وَلِذَلِكَ قَبِلَ هَدِيَّةَ الْمُقَوْقِسِ أَمِيرِ مِصْرَ وَالْإِسْكَنْدَرِيَّة وَهَدِيَّةَ أُكَيْدِرِ دُومَة وَلَمْ يَقْبَلْ هَدِيَّةَ عِيَاضٍ الْمُجَاشِعِيِّ.
وَقَدْ قَالَ بَعْضُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَى هَذَا الْحَدِيثِ: إنَّ هَذَا خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دُونَ غَيْرِهِ مِنْ الْأُمَرَاءِ وَتَعَلَّقَ فِي ذَلِكَ بِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَعْمَلَ عَلَى الصَّدَقَةِ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ ابْنُ اللُّتْبِيَّةِ فَلَمَّا جَاءَ قَالَ: هَذَا لَكُمْ وَهَذَا أُهْدِيَ لِي فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَلَا جَلَسَ فِي بَيْتِ أَبِيهِ فَيَنْظُرُ هَلْ يُهْدَى لَهُ» وَهَذَا التَّأْوِيلُ غَيْرُ صَحِيحٍ وَذَلِكَ أَنَّ قَبُولَهُ لِهَدِيَّةِ مُشْرِكٍ لَيْسَ فِي طَاعَتِهِ وَلَا يَجْرِي عَلَيْهِ حُكْمُهُ لَا يَخْلُو مِنْ إحْدَى حَالَتَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ الْكَافِرُ الْمُهْدِي فِي حَالِ مَنَعَةٍ وَقُوَّةٍ فَأَهْدَى إلَى الْخَلِيفَةِ أَوْ الْأَمِيرِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ: إنَّهُ لَا بَأْسَ أَنْ يَقْبَلَهَا وَهِيَ لَهُ خَاصَّةً وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُكَافِئَهُ.
وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: يُكَافِئُهُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ وَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَقَالَ سَحْنُونٌ: وَإِنْ كَانَ الرُّومُ فِي ضَعْفٍ وَالْمُسْلِمُونَ مُشْرِفُونَ عَلَيْهِمْ فَقَصَدُوا بِذَلِكَ تَوْهِينَ عَزْمِهِمْ فَهَذِهِ رِشْوَةٌ لَا يَحِلُّ قَبُولُهَا وَقَالَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ مِنْ رِوَايَةِ عِيسَى عَنْهُ قَالَ: وَهُوَ بِخِلَافِ أَنْ يُهْدَى الْعِلْجُ لِرَجُلٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ هَدِيَّةً تَكُونُ لَهُ خَاصَّةً زَادَ ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ: إلَّا أَنْ يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ يُهْدَى لِلْأَمِيرِ لِغَيْرِ سَبَبِ الْجَيْشِ لِمَوَدَّةِ قَرَابَةٍ وَمُكَافَأَةٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لِخَاصَّتِهِ فَذَلِكَ لَهُ وَأَمَّا رَدُّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِهَدِيَّةِ عِيَاضٍ الْمُجَاشِعِيِّ وَقَوْلُهُ إنَّا لَا نَقْبَلُ هَدَايَا الْمُشْرِكِينَ فَيُحْتَمَلُ إنْ صَحَّ الْحَدِيثُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَمْنُوعِ وَأَنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ إبْطَالَ حَقٍّ مِنْ حُقُوقِ الْمُسْلِمِينَ وَأَمَّا إنْكَارُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ابْنِ اللُّتْبِيَّةِ قَوْلَهُ هَذَا أُهْدِيَ لِي فَإِنَّهُ كَانَ عَامِلًا وَهَذِهِ رِشْوَةٌ لِأَنَّ عَامِلَ الصَّدَقَةِ لَا يُهْدَى إلَيْهِ إلَّا لِيَتْرُكَ لِلْمُهْدِي حَقًّا وَجَبَ عَلَيْهِ أَوْ يَكُفَّ عَنْهُ ظُلْمَهُ وَإِذَايَتَهُ وَذَلِكَ لَازِمٌ لَهُ مِنْ غَيْرِ رِشْوَةٍ وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: إنَّهُ يَقْبَلُهَا الْأَمِيرُ وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْجَيْشِ قَالَ: وَلَا حُجَّةَ لِأَحَدٍ فِي هَدِيَّةِ الْمُقَوْقِسِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يُرِيدُ الِاخْتِصَاصَ بِهَا دُونَ

الصفحة 202