كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَبُولِهَا وَهَذَا وَجْهٌ يُحْتَمَلُ وَأَمَّا رَدُّهَا فَلَيْسَ بِقَوْلٍ لِأَحَدٍ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى أَنَّ قَوْلَ ابْنِ حَبِيبٍ بَيِّنٌ فِي التَّخْصِيصِ فَإِنَّهُ كَانَ مَا يَأْخُذُهُ مِنْ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ لَهُ وَلَا يُورَثُ عَنْهُ وَإِنَّمَا كَانَ يَسْتَعْمِلُهُ فِي مَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ ثُمَّ يَرْجِعُ إلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ وَلَوْ اسْتَعْمَلَهُ الْأَمِيرُ الْيَوْمَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لَجَازَ لَهُ ذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا إنْ كَانَ الْمُهْدِي يَجْرِي عَلَيْهِ أَحْكَامُ حُكْمِ الْمُهْدَى إلَيْهِ فَقَدْ قَالَ سَحْنُونٌ وَأَشْهَبُ: لَا تُقْبَلُ هَدِيَّتُهُ مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ هَدِيَّتَهُ إلَيْهِ إنَّمَا تَكُونُ لِدَفْعِ مَظْلِمَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ دَفْعُهَا أَوْ تَرْكِ حَقٍّ لَا يَحِلُّ لَهُ تَرْكُهُ.
وَقَدْ رَوَى ابْنُ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ فِي السَّرِيَّةِ يَبْعَثُهَا الْوَالِي فَيَرْجِعُونَ بِالْفَوَاكِهِ فَيَهْدُونَ إلَيْهِ مِثْلَ قُفَّةِ عِنَبٍ أَوْ تِينٍ لَا بَأْسَ بِهِ وَتَرْكُهُ أَمْثَلُ لِأَنَّا نَكْرَهُ لَهُ قَبُولَ مِثْلِ هَذَا الْغَزْوِ وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُهْدَى إلَّا لِمَوْضِعِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ وَعَدَمِ وُجُودِهِ مَعَ تَفَاهَةِ قِيمَتِهِ هُنَاكَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ حَتَّى إذَا كُنَّا بِوَادِي الْقُرَى بَيْنَمَا مِدْعَمٌ يَحُطُّ رَحْلَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِمَعْنَى الِاسْتِخْدَامِ بِالْعَبْدِ وَالِاسْتِعَانَةِ بِهِ فِي مِثْلِ هَذَا مِنْ الْأَعْمَالِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ يَجِبُ أَنْ يُفَرِّغَ نَفْسَهُ لِلنَّظَرِ فِي أُمُورِ الْمُسْلِمِينَ وَمَكَانِ نُزُولِهِمْ وَتَحَفُّظِهِمْ مِنْ عَدُوِّهِمْ وَتَحَصُّنِهِمْ مِمَّا يُتَّقَى عَلَيْهِمْ مِنْهُ فِي بَلَدِ الْحَرْبِ وَمَكَانِ الْقِتَالِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ جَاءَهُ سَهْمٌ غَائِرٌ فَأَصَابَهُ فَقَتَلَهُ السَّهْمُ الْغَائِرُ الَّذِي لَا يُدْرَى مَنْ رَمَى بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ أَصَابَهُ فِي غَيْرِ قِتَالٍ وَإِنَّمَا رُمِيَ بِهِ مِنْ قَصْدِ الْجُمْلَةِ وَلَمْ يَقْصِدْ مُقَاتِلًا بِرَمْيَتِهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَقَالَ النَّاسُ: هَنِيئًا لَهُ الْجَنَّةُ عَلَى مَا اعْتَقَدُوا مِنْ أَنَّهُ شَهِيدٌ إذْ قُتِلَ فِي خِدْمَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: كَلًّا وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إنَّ الشَّمْلَةَ الَّتِي أَخَذَهَا يَوْمَ حُنَيْنٍ أَوْ خَيْبَرَ مِنْ الْمَغَانِمِ لَمْ تُصِبْهَا الْمَقَاسِمُ لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا ظَاهِرُ هَذَا الْقَوْلِ إنَّهَا تَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا لِأَنَّهُ أَخَذَهَا مِنْ الْمَغَانِمِ بِغَيْرِ قِسْمَةٍ وَلَا حَقٍّ وَإِنَّمَا أَخَذَهَا غُلُولًا وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهَا غَيْرَ مُحْتَاجٍ إلَيْهَا لِلُبْسِهِ فَلِذَلِكَ اشْتَعَلَتْ عَلَيْهِ نَارًا أَوْ أَخَذَهَا مُحْتَاجًا إلَيْهَا ثُمَّ أَمْسَكَهَا بَعْدَ الْقِسْمَةِ وَبَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى بِلَادِ الْمُسْلِمِينَ.
وَقَدْ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْمَوَّازِيَّةِ وَمَا احْتَاجَ إلَيْهِ فِي السَّرِيَّةِ مِنْ ثَوْبٍ يَلْبَسُهُ أَوْ دَابَّةٍ يَرْكَبُهَا أَوْ يَحْمِلُ عَلَيْهَا عَلَفًا فَذَلِكَ إذَا كَانَ إذَا بَلَغَ الْعَسْكَرَ وَاسْتَغْنَى عَنْهُ جَعَلَهُ فِي الْمَقَاسِمِ وَرَوَى ابْنُ وَهْبٍ وَعَلِيُّ بْنُ زِيَادٍ عَنْ مَالِكٍ فِي الْمُدَوَّنَةِ لَا يُنْتَفَعُ بِدَابَّةٍ وَلَا سِلَاحٍ وَلَا ثَوْبٍ.

(فَرْعٌ) فَإِذَا قُلْنَا بِقَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ فَمَنْ أَخَذَ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ مُحْتَاجًا إلَيْهِ رَدَّهُ فِي الْمَغْنَمِ إذَا اسْتَغْنَى عَنْهُ فَإِنْ فَاتَهُ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ يَبِيعُ ذَلِكَ وَيَتَصَدَّقُ بِثَمَنِهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ تَعَذَّرَ رَدُّهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ فَلَزِمَهُ أَنْ يَبِيعَهُ وَيَتَصَدَّقَ بِثَمَنِهِ لِتَعُمَّ مَنْفَعَتُهُ الْمُسْلِمِينَ بِسَدِّ فَاقَةِ فَقِيرٍ مِنْ فُقَرَائِهِمْ أَوْ مِرْفَقٍ لِجَمَاعَةِ فُقَرَائِهِمْ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَتَشْتَعِلُ عَلَيْهِ نَارًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ مَنْ يُعَاقَبُ بِالْمَعَاصِي مِمَّنْ شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُعَاقِبَهُ إلَّا أَنَّ الْإِيمَانَ سَيَعُودُ عَلَيْهِ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْجَنَّةِ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ مَنْ سَمِعَ ذَلِكَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَتَوْا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْغُلُولِ مَخَافَةَ أَنْ يُصِيبَهُمْ مِثْلُ ذَلِكَ وَلَوْ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ ذَلِكَ يَخْتَصُّ بِأَهْلِ الْكُفْرِ لَمَا رَدَّ مُؤْمِنٌ مَا عِنْدَهُ لِأَنَّهُ لَا يَخَافُ ذَلِكَ مَعَ وُجُودِ إيمَانِهِ وَلَمَا خَافَ الْمُؤْمِنُونَ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَمَا رَدُّوهُ مِنْ الشِّرَاكِ شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ عُلِمَ أَنَّ الْإِيمَانَ لَا يَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَمْنَعُ ذَلِكَ تَفَضُّلُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْعَفْوِ عَنْ الْعَاصِي وَإِنَّمَا الَّذِي يَمْنَعُ مِنْهُ الْإِيمَانُ بِفَضْلِ اللَّهِ الْخُلُودَ فِي النَّارِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَجَاءَ رَجُلٌ بِشِرَاكٍ أَوْ شِرَاكَيْنِ إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: شِرَاكٌ أَوْ شِرَاكَانِ مِنْ نَارٍ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ غَلَّ مِثْلَ هَذَا فَإِنَّهُ يُعَاقَبُ بِمِثْلِهِ مِنْ النَّارِ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الشِّرَاكُ وَالشِّرَاكَانِ لَهُمَا الْقِيمَةُ وَيَكُونُ ثَمَنُهُ الدَّرَاهِمَ فَمِثْلُ هَذَا لَا يَحِلُّ أَخْذُهُ.

الصفحة 203