كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQذَكَرَ تَعَالَى الْأَنْصَارَ فَقَالَ {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9] ثُمَّ قَالَ {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ} [الحشر: 10] فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لِمَنْ جَاءَ بَعْدَ الَّذِينَ افْتَتَحُوا تِلْكَ الْمَوَاضِعَ حَقًّا فِيهَا وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا بِتَبْقِيَةِ الْأَرْضِ وَأَمَّا غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ الْأَمْوَالِ فَلَا تَبْقَى لِمَنْ يَأْتِي بَعْدَهُمْ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَإِنَّ أَهْلَ الْعَنْوَةِ أَحْرَارٌ قَالَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ وَرَوَى عِيسَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ نِسَاؤُهُمْ كَالْحَرَائِرِ لَا يُنْظَرُ إلَى شُعُورِهِنَّ وَدِيَةُ الْمَرْأَةِ مِنْهُنَّ دِيَةُ الْحُرَّةِ ذِمِّيَّةً وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَسْتَرِقُوا وَعَقَدَ لَهُمْ عَقْدَ الذِّمَّةِ فَقَدْ حَكَمَ بَحْرِيَّتِهِمْ لِأَنَّ الْإِمَامَ فِيمَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ أَنْ يَقْتُلَ أَوْ يَمُنَّ أَوْ يُفَادِيَ بِهِ أَوْ يَسْتَرِقَّهُ أَوْ يَعْقِدَ لَهُ الذِّمَّةَ عَلَى أَنَّهُ حُرٌّ وَهَؤُلَاءِ قَدْ عُقِدَ لَهُمْ عَقْدُ ذِمَّةٍ عَلَى الْجِزْيَةِ فَهُمْ أَحْرَارٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَقَدْ رَوَى ابْنُ مُزَيْنٍ عَنْ عِيسَى بْنِ دِينَارٍ أَنَّ الْفَرْضَ الَّذِي يُفْرَضُ عَلَيْهِمْ عَلَى جَمَاجِمِهِمْ وَتُتْرَكُ الْأَرْضُ بِأَيْدِيهِمْ عَوْنًا لَهُمْ وَقَالَ ابْنُ حَبِيبٍ إنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَرَضَ الْجِزْيَةَ عَلَى أَهْلِ مِصْرَ عَلَى كُلِّ عِلْجٍ مِنْهُمْ أَرْبَعَةُ دَنَانِيرَ مِنْ غَيْرِ خَرَاجِ أَرْضِهِمْ وَجَعَلَ عَلَى الْأَرْضِ خَرَاجًا عَلَى حِدَةٍ وَقَالَ غَيْرُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّهُ أَقَرَّهُمْ فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ خَرَاجًا وَاحِدًا عَلَى الْأَرْضِ وَالْجَمَاجِمِ وَجَعَلَ عَلَيْهِمْ مَعَ ذَلِكَ الضِّيَافَةَ وَقَالَ مَالِكٌ تُطْرَحُ عَنْهُمْ الضِّيَافَةُ إذَا لَمْ يُوَفَّ لَهُمْ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِمْ جِزْيَةُ جَمَاجِمِهِمْ فَمَنْ عَمِلَ أَرْضًا كَانَ عَلَيْهِ خَرَاجُهَا لِأَنَّ سَبَبَ جِزْيَةِ جَمَاجِمِهِمْ سُكْنَى بَلَدِ الْمُسْلِمِينَ وَحَقْنُ دِمَائِهِمْ فِيهَا وَسَبَبَ خَرَاجِ الْأَرْضِ الِانْتِفَاعُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ لَمْ يُعَمِّرْ مِنْهُمْ أَرْضًا فَلَا بُدَّ مِنْ أَدَاءِ جِزْيَةِ جُمْجُمَتِهِ وَمَنْ عَمَّرَ شَيْئًا مِنْ أَرْضِ الْخَرَاجِ أَدَّى عَلَيْهَا وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةً لَا تَجِبُ عَلَى جُمْجُمَتِهَا جِزْيَةٌ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَلَا يَجُوزُ لِلْعَنَوِيِّ بَيْعُ شَيْءٍ مِنْ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا مِلْكٌ لِلْمُسْلِمِينَ لَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فِي بَيْعِهَا وَيَجُوزُ لَهُمْ بَيْعُ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الرَّقِيقِ وَسَائِرِ الْأَمْوَالِ رَوَاهُ سَحْنُونٌ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ وَكَأَنَّهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُرِكُوا كَالْمَأْذُونِ لَهُ فِي التِّجَارَةِ قَالَ وَيُمْنَعُونَ أَنْ يَهَبُوا وَيَتَصَدَّقُوا وَيَجِيءُ قَوْلُ ابْنِ حَبِيبٍ أَنَّ لَهُمْ ذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ بِأَيْدِيهِمْ مِنْ مَالِ الْفَتْحِ وَفِيمَا اكْتَسَبُوهُ بَعْدُ مِنْ ذَلِكَ وَيَجِيءُ عَلَى ابْنِ الْمَوَّازِ أَنَّ ذَلِكَ لَهُمْ بِمَا اكْتَسَبُوهُ دُونَ مَا أَقَرَّ بِأَيْدِيهِمْ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ مَاتَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ فَإِنْ كَانَ لَهُ وَارِثٌ وَرِثَهُ رَوَاهُ يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ قَالَ يُسْأَلُ عَنْ ذَلِكَ أَسَاقِفَتُهُمْ وَأَهْلُ دِينِهِمْ فَمَنْ قَالُوا أَنَّهُ يَرِثُهُ مِنْ ذِي رَحِمٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ رَجُلٍ أَوْ امْرَأَةٍ سُلِّمَ إلَيْهِ ذَلِكَ وَفِي كِتَابِ ابْنِ حَبِيبٍ إنَّ مَالَهُ وَمَا كَسَبَ لِوَرَثَتِهِ إلَّا الْأَرْضَ فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ الْأَرْضَ لَمَّا اُفْتُتِحَتْ عَنْوَةً فَهِيَ لِلْمُسْلِمِينَ وَإِنَّمَا يُعَمِّرُهَا بِالْخَرَاجِ وَأَمَّا مَا كَانَ كَسْبُهُ مِنْ مَالٍ فَهُوَ لِوَرَثَتِهِ وَمَا كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فَيَتَخَرَّجُ عَلَى وَجْهَيْنِ نَحْنُ نَذْكُرُهُمَا بَعْدَ هَذَا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَإِنْ لَمْ يَدْعُ وَارِثًا فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ كُلُّ مَا تَرَكَهُ لِلْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ الْمَالِ وَنَحْوِهِ رَوَى يَحْيَى بْنُ يَحْيَى عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَقَالَ أَشْهَبُ مَا كَانَ بِيَدِهِ مِنْ دَارٍ أَوْ أَرْضٍ فَهِيَ مَوْقُوفَةٌ أَبَدًا لِلْمُسْلِمِينَ وَمَا كَانَ لَهُ مِنْ مَالٍ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَمَا عُلِمَ أَنَّهُ كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ مَالٍ فَهُوَ كَالْفَيْءِ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَا كَانَ بِيَدِهِ يَوْمَ الْفَتْحِ فَإِنَّهُ لَمْ يَمْلِكْهُ وَإِنَّمَا هُوَ مَالٌ لِأَهْلِ الْفَتْحِ أَقِرَّ بِأَيْدِيهِمْ عَوْنًا عَلَى عِمَارَةِ الْأَرْضِ فَإِذَا مَاتَ أَوْ أَسْلَمَ رَجَعَ إلَيْهِمْ وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ الْقَاسِمِ وَابْنِ حَبِيبٍ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي أَنَّ مَا تُرِكَ بِيَدِهِ تُرِكَ لَهُ عَلَى سَبِيلِ التَّمْلِيكِ وَالتَّرْكِ لَهُ كَمَا تُرِكَتْ لَهُ رَقَبَتُهُ وَأَهْلُهُ وَوَلَدُهُ.
(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ أَسْلَمَ مِنْ أَهْلِ الْعَنْوَةِ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ فَقَدْ أَحْرَزَ نَفْسَهُ وَمَالَهُ وَكُلَّ مَا كَسَبَ وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلِلْمُسْلِمِينَ وَاحْتَجَّ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ أَسْلَمَ عَلَى شَيْءٍ فِي يَدِهِ فَهُوَ لَهُ يُرِيدُ أَسْلَمَ عَلَى أَنَّهُ لَهُ وَأَمَّا الْأَرْضُ فَلَيْسَتْ كَذَلِكَ فَإِنَّهَا لَيْسَتْ فِي

الصفحة 224