كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْحَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ الذَّبْحُ وَلِبْسُ الثِّيَابِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ) .

الْحِلَاقُ.
(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا: وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ اللَّهُمَّ: ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ قَالُوا وَالْمُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: قَالَ وَالْمُقَصِّرِينَ» )
ـــــــــــــــــــــــــــــQعَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُمَكِّنُ ذَلِكَ مِنْهَا مَعْقُولَةً أَوْ كَيْفَ أَمْكَنَ بِمَا يُغْنِي النَّاظِرَ فِي ذَلِكَ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

(ش) : قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْلِقَ رَأْسَهُ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَذَلِكَ أَنَّ سُنَّةَ الذَّبْحِ أَنْ يُفْعَلَ قَبْلَ الْحِلَاقِ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ} [البقرة: 196] وَكَذَلِكَ فَعَلَ «رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَدَأَ فِي نَحْرِ هَدْيِهِ ثُمَّ حَلَقَ بَعْدَ ذَلِكَ» فَمَنْ خَالَفَ هَذَا فَقَدَّمَ الْحِلَاقَ قَبْلَ النَّحْرِ فَلَا يَخْلُو أَنْ يُقَدِّمَ الْحِلَاقَ خَطَأً وَجَهْلًا وَعَمْدًا أَوْ قَصْدًا فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَطَأً وَجَهْلًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ رَوَاهُ ابْنُ حَبِيبٍ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ عَلَيْهِ الْهَدْيُ وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَجْهُ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مَا رُوِيَ أَنَّ «رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَمْ أَشْعُرْ فَحَلَقْت قَبْلَ أَنْ أَنْحَرَ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: انْحَرْ وَلَا حَرَجَ» .
وَقَالَ ابْنُ الْمَاجِشُونِ: مَعْنَى ذَلِكَ أَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِأَنَّ اسْمَ الْحَرَجِ يُطْلَقُ عَلَى الْإِثْمِ دُونَ الْهَدْيِ وَلِابْنِ الْقَاسِمِ أَنْ يَقُولَ أَنَّ هَذَا مَوْضِعُ تَعْلِيمٍ لِمَا يَجِبُ عَلَى السَّائِلِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ الْهَدْيُ لَأَمَرَهُ بِهِ وَلَنُقِلَ إلَيْنَا وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ مِنْ طُرُقٍ وَلَمْ يُرْوَ شَيْءٌ مِنْهَا هُنَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(مَسْأَلَةٌ)
وَأَمَّا إنْ كَانَ عَلَى وَجْهِ الْعَمَلِ فَقَدْ رَوَى الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ أَنَّهُ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْحَلْقِ عَلَى النَّحْرِ قَالَ: وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَالظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ الْمَنْعُ وَالتَّرْتِيبُ مَشْرُوعٌ مُسْتَحَبٌّ وَأَقَلُّ مَا يُحْمَلُ عَلَيْهِ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي حَجِّهِ الِاسْتِحْبَابُ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَنْحَرَ قَبْلَ الْفَجْرِ يَوْمَ النَّحْرِ.
وَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ كُلَّ نُسُكٍ وَنَحْرٍ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ بِاللَّيْلِ وَإِنَّمَا هُوَ كُلُّهُ بِالنَّهَارِ وَقَدْ اسْتَدَلَّ مَالِكٌ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ} [الحج: 28] .
وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي أَنَّهُ لَا يُجْزِي النَّحْرُ بِاللَّيْلِ بِمَا يُغْنِي عَنْ إعَادَتِهِ وَإِذَا قُلْنَا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ النَّحْرُ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلَا يَجُوزُ الرَّمْيُ قَبْلَ الْفَجْرِ لِأَنَّهُ مُرَتَّبٌ عَلَيْهِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ وَإِنَّمَا الْعَمَلُ كُلُّهُ يَوْمَ النَّحْرِ الذَّبْحُ وَلِبْسُ الثِّيَابِ وَإِلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ وَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِنْهُ قَبْلَ الْفَجْرِ وَتَحْرِيرُ ذَلِكَ أَنَّهُ نُسُكٌ يَتَقَدَّمُ عَلَيْهِ الرَّمْيُ فَلَا يَتَكَرَّرُ مِثْلُهُ قَبْلَهُ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَجُوزَ فِعْلُهُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ أَصْلُ ذَلِكَ إلْقَاءُ التَّفَثِ وَالْحِلَاقُ وَأَمَّا طَوَافُ الْإِفَاضَةِ فَإِنَّ مِثْلَهُ يَتَكَرَّرُ وَهُوَ طَوَافُ الْوُرُودِ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ فَقَالَ مَالِكٌ: إنَّهُ يَوْمُ النَّحْرِ وَقَالَ قَوْمٌ: إنَّهُ يَوْمُ عَرَفَةَ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: بَعَثَنِي أَبُو بَكْرٍ فِيمَنْ يُؤَذِّنُ يَوْمَ النَّحْرِ بِمِنًى أَنْ لَا يَحُجَّ بَعْدَ الْعَامِ مُشْرِكٌ وَلَا يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانُ وَالْحَجُّ الْأَكْبَرُ يَوْمَ النَّحْرِ.

[الْحِلَاقُ]
[الْبَابُ الْأَوَّلُ مَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ]
(ش) : قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اللَّهُمَّ ارْحَمْ الْمُحَلِّقِينَ» وَتَخْصِيصُهُ لَهُمْ بِالدُّعَاءِ تَفْضِيلٌ لِلْحِلَاقِ عَلَى التَّقْصِيرِ وَذَلِكَ أَنَّ التَّحَلُّلَ بِهَذَا الْبَابِ عَلَى ضَرْبَيْنِ:
حِلَاقٌ وَتَقْصِيرٌ وَفِي ذَلِكَ سِتَّةُ أَبْوَابٍ أَوَّلُهَا فِيمَنْ حُكْمُهُ الْحِلَاقُ وَالتَّقْصِيرُ.
وَالْبَابُ الثَّانِي فِي صِفَةِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ.
وَالْبَابُ الثَّالِثُ فِي مَوْضِعِ الْحِلَاقِ وَالتَّقْصِيرِ.
وَالْبَابُ الرَّابِعُ فِي وَقْتِهِمَا.
وَالْبَابُ الْخَامِسُ فِيمَا يَتَعَلَّقُ بِهِمَا مِنْ الْأَحْكَامِ.
وَالْبَابُ السَّادِسُ هَلْ هُوَ نُسُكٌ أَوْ تَحَلُّلٌ

الصفحة 28