كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ) :
فَمَنْ صَلَّى قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ دُونَ عُذْرٍ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: يُعِيدُ مَتَى عَلِمَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ صَلَّى قَبْلَ الزَّوَالِ لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الصَّلَاةُ أَمَامَك» وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ.
وَقَالَ أَشْهَبُ: بِئْسَ مَا صَنَعَ وَلَا إعَادَةَ عَلَيْهِ إلَّا أَنْ يُصَلِّيَهُمَا قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَيُعِيدُ الْعِشَاءَ وَحْدَهَا أَبَدًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ وَاحْتَجَّ لَهُ بِأَنَّ هَاتَيْنِ صَلَاتَانِ سُنَّ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ شَرْطًا فِي صِحَّتِهِمَا وَإِنَّمَا كَانَ عَلَى مَعْنَى الِاسْتِحْبَابِ كَالْجَمْعِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِعَرَفَةَ.

(مَسْأَلَةٌ) :
وَمَنْ أَسْرَعَ فَأَتَى الْمُزْدَلِفَةَ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ: لَا صَلَاةَ لِمَنْ عَجَّلَ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَا لِإِمَامٍ وَلَا غَيْرِهِ حَتَّى يَغِيبَ الشَّفَقُ وَوَجْهُ ذَلِكَ قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «الصَّلَاةُ أَمَامَك» ثُمَّ صَلَّاهَا بِالْمُزْدَلِفَةِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى أَنَّ وَقْتَ هَذِهِ الصَّلَاةِ بَعْدَ مَغِيبِ الشَّفَقِ فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُؤْتَى بِهَا قَبْلَهُ وَلَوْ كَانَ لَهَا وَقْتٌ قَبْلَ مَغِيبِ الشَّفَقِ لَمَا أُخِّرَتْ عَنْهُ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ)
وَأَمَّا مَنْ أَتَى عَرَفَةَ بَعْدَ دَفْعِ الْإِمَامِ وَكَانَ لَهُ عُذْرٌ مِمَّنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ فَقَدْ قَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ مَنْ وَقَفَ بَعْدَ الْإِمَامِ فَلْيُصَلِّ كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا.
وَقَالَ مَالِكٌ فِيمَنْ كَانَ لَهُ عُذْرٌ يَمْنَعُهُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ أَنَّهُ يُصَلِّي إذَا غَابَ الشَّفَقُ الصَّلَاتَيْنِ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَهَذَا يَقْتَضِي مُرَاعَاتَهُ لِلْوَقْتِ دُونَ الْمَكَانِ.
وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَنْ وَقَفَ بِعَرَفَةَ بَعْدَ الْإِمَامِ: إنْ رَجَا أَنْ يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ ثُلُثَ اللَّيْلِ فَلْيُؤَخِّرْ الصَّلَاتَيْنِ حَتَّى يَأْتِيَ الْمُزْدَلِفَةَ وَإِلَّا صَلَّى كُلَّ صَلَاةٍ لِوَقْتِهَا فَجَعَلَ ابْنُ الْمَوَّازِ تَأْخِيرَ الصَّلَاةِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ لِمَنْ وَقَفَ مَعَ الْإِمَامِ دُونَ غَيْرِهِ وَاعْتَبَرَ مَالِكٌ بِالْوَقْتِ دُونَ الْمَكَانِ وَاعْتَبَرَ ابْنُ الْقَاسِمِ بِالْوَقْتِ الْمُخْتَارِ لِلصَّلَاةِ وَالْمَكَانِ فَإِنْ خَافَ فَوَاتَ الْوَقْتِ الْمُخْتَارِ بَطَلَ اعْتِبَارُ الْمَكَانِ وَكَانَ مُرَاعَاةُ وَقْتِهَا الْمُخْتَارِ أَوْلَى.
1 -
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا جَاءَ الْمُزْدَلِفَةَ تَوَضَّأَ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ» إنْ كَانَ وُضُوءُهُ الْأَوَّلُ هُوَ الِاسْتِنْجَاءُ فَإِنَّهُ يُرِيدُ الْوُضُوءَ هَاهُنَا وُضُوءَ الْحَدَثِ وَإِنْ كَانَ وُضُوءُهُ بِالشِّعْبِ وُضُوءَ الْحَدَثِ غَيْرَ أَنَّهُ اقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى أَقَلِّ الْوَاجِبِ فَإِنَّ إسْبَاغَهُ هَاهُنَا الْإِتْيَانُ بِهِ عَلَى أَتَمِّ أَحْوَالِهِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ الصَّلَاةُ فَصَلَّى يُرِيدُ أَنَّهُ بَدَأَ بِالصَّلَاةِ وَلَمْ يُؤَخِّرْهَا لِأَنَّ حُلُولَهَا إنَّمَا هُوَ مَغِيبُ الشَّفَقِ وَمَغِيبُ الشَّفَقِ مَعَ الْوُصُولِ إلَى الْمُزْدَلِفَةِ وَقَدْ وُجِدَ الْأَمْرَانِ فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُمَا.
وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ فِيمَنْ أَتَى الْمُزْدَلِفَةَ أَيَبْدَأُ بِالصَّلَاةِ أَمْ يُؤَخِّرُ حَتَّى يَحُطَّ عَنْ رَاحِلَتِهِ فَقَالَ: أَمَّا الرَّحْلُ الْخَفِيفُ فَلَا بَأْسَ أَنْ يَبْدَأَ بِهِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَأَمَّا الْمَحَامِلُ وَالزَّوَامِلُ فَلَا أَرَى ذَلِكَ وَلْيَبْدَأْ بِالصَّلَاتَيْنِ ثُمَّ يَحُطُّ رَاحِلَتَهُ.
وَقَالَ أَشْهَبُ فِي كِتَابِهِ: لَوْ حَطَّ رَحْلَهُ وَحَطَّهُ لَهُ بَعْدَ أَنْ يُصَلِّيَ الْمَغْرِبَ أَحَبُّ إلَيَّ مَا لَمْ يَضْطَرَّ إلَى ذَلِكَ لِمَا بِدَابَّتِهِ مِنْ الثِّقَلِ أَوْ لِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْعُذْرِ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ تَقْدِيمَ الصَّلَاةِ مَشْرُوعٌ لِأَنَّ ذَلِكَ فِعْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - غَيْرَ أَنَّ الْعَمَلَ الْيَسِيرَ لَيْسَ بِفَاصِلٍ بَيْنَ الْوُصُولِ وَالصَّلَاةِ لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ لِعُذْرٍ وَقَدْ «تَوَضَّأَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمُزْدَلِفَةِ» .
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ «فَصَلَّى الْمَغْرِبَ ثُمَّ أَنَاخَ كُلُّ إنْسَانٍ بَعِيرَهُ ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ تَعْجِيلَ صَلَاةِ الْمَغْرِبِ عِنْدَ الْوُصُولِ أَوْ قَبْلَ أَنْ يُعِدَّ كُلُّ إنْسَانٍ مَكَانَ نُزُولِهِ فَلَمَّا صَلَّى الْمَغْرِبَ اتَّسَعَ الْوَقْتُ لِلْعِشَاءِ فَذَهَبَ كُلُّ إنْسَانٍ إلَى تَعْيِينِ مَكَانِ نُزُولِهِ وَإِنَاخَةِ بَعِيرِهِ بِهِ وَتَعَشَّى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ عَلَى رِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِيُتَمِّمَ كُلُّ إنْسَانٍ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ إنَاخَةِ بَعِيرِهِ وَالتَّخْفِيفِ عَنْ رَاحِلَتِهِ قَالَ أَشْهَبُ: يَحُطُّ عَنْ رَاحِلَتِهِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ إنْ شَاءَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا ثِقَلٌ فَإِنَّ ذَلِكَ قَرِيبٌ لَا تَفَاوُتَ فِيهِ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ وَلَيْسَ ذَلِكَ بِعَمَلٍ مَشْرُوعٍ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ فَيُعْتَبَرُ وَإِنَّمَا هُوَ مُبَاحٌ مُوَسَّعٌ فِيهِ.

(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ «ثُمَّ أُقِيمَتْ الْعِشَاءُ فَصَلَّاهَا وَلَمْ يُصَلِّ بَيْنَهُمَا» يُرِيدُ أَنَّهُ لَمْ يَتَنَفَّلْ بَيْنَهُمَا.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْ

الصفحة 39