كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ ابْنَةَ أَخٍ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ أَبِي عُبَيْدٍ نَفِسَتْ بِالْمُزْدَلِفَةِ فَتَخَلَّفَتْ هِيَ وَصْفِيَّةُ حَتَّى أَتَيَا مِنًى بَعْدَ أَنْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَيَا وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُرِيدَ أَنَّهُمْ يَرْمُونَ لِيَوْمَيْنِ يَرْمُونَ لِلْأَوَّلِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ وَهُوَ يَوْمُ رَمْيِهِمْ لِأَنَّهُ يَوْمُ النَّفْرِ الْأَوَّلُ فَيَكُونُ قَوْلُهُ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ تَفْسِيرًا لِأَحَدِ الْيَوْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يُرْمَى لَهُمَا وَاسْتَغْنَى عَنْ ذِكْرِ الْأَوَّلِ بِقَوْلِهِ يَرْمُونَ لِيَوْمَيْنِ ثُمَّ بَيَّنَ الْيَوْمَ الثَّانِي مِنْهُمَا فَعُلِمَ بِذَلِكَ الْيَوْمُ الْأَوَّلُ وَعَلَى هَذَا يَكُونُ يَوْمُ النَّفْرِ الْمَذْكُورُ فِي الْحَدِيثِ يَوْمَ النَّفْرِ الْأَوَّلِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَتَعَجَّلَ وَيَكُونُ فَائِدَةُ قَوْلِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ لِيَوْمِ النَّفْرِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَرْمِيَ لِلْيَوْمِ الثَّانِي حَتَّى يُكْمِلَ رَمْيَ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يُرِيدَ بِقَوْلِهِ يَرْمُونَ الْغَدَ وَبَعْدَ الْغَدِ لِيَوْمَيْنِ أَنْ يُبَيِّنَ بِهَذَا كَلَامَهُ ثُمَّ اسْتَأْنَفَ بِقَوْلِهِ ثُمَّ يَرْمُونَ يَوْمَ النَّفْرِ لِمَنْ لَمْ يُرِدْ التَّعْجِيلَ فَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ يَوْمَ النَّفْرِ الثَّانِي وَهُوَ الثَّالِثُ مِنْ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَعَلَى هَذَا فَسَّرَ مَالِكٌ الْحَدِيثَ وَمَنْ أَرَادَ التَّعْجِيلَ فَإِنَّهُ إذَا رَمَى فِي الْيَوْمِ الثَّانِي عَنْ الْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي تَعَجَّلَ وَأَجْزَأَهُ ذَلِكَ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ وَفِي حَدِيثِ عَطَاءٍ «أَرْخَصَ لِلرِّعَاءِ فِي الرَّمْيِ بِاللَّيْلِ» إنَّمَا أُبِيحَ لَهُمْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِمْ وَأَحْوَطُ فِيمَا يُحَاوِلُونَهُ مِنْ رَعْيِ الْإِبِلِ لِأَنَّ اللَّيْلَ وَقْتٌ لَا تُرْعَى فِيهِ الْإِبِلُ وَلَا تَنْتَشِرُ فَيَرْمُونَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ.
وَقَالَ ابْنُ الْمَوَّازِ: إنْ رَعَوْا بِالنَّهَارِ وَرَمَوْا بِاللَّيْلِ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَيَحْتَمِلُ أَيْضًا أَنْ يَرْمُوا عَلَى هَذَا فِي كُلِّ لَيْلَةٍ لِاسْتِغْنَائِهِمْ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ عَنْ حِفْظِ الْإِبِلِ عَلَى وَجْهِ الرَّعْيِ وَيَحْتَمِلُ إنْ كَانَ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَشَقَّةٌ أَنْ يَكُونَ رَمْيُهُمْ بِاللَّيْلِ عَلَى حُكْمِ رَمْيِهِمْ بِالنَّهَارِ مِنْ الْجَمْعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يَقْتَضِي إطْلَاقُهُ زَمَنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِأَنَّهُ أَوَّلُ زَمَانِ هَذِهِ الشَّرِيعَةِ فَعَلَى هَذَا هُوَ مُرْسَلٌ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ أَوَّلَ زَمَنٍ أَدْرَكَهُ عَطَاءٌ فَيَكُونُ مَوْقُوفًا مُتَّصِلًا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ صَفِيَّةَ وَبِنْتَ أَخِيهَا تَخَلَّفَتْ لِمَا ذَكَرَهُ مِنْ نِفَاسِ بِنْتِ أَخِيهَا فَأَتَيَا مِنًى بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ أَوْ بَعْدَ أَنْ فَاتَهُمَا الرَّمْيُ وَفِي هَذَا أَنَّ الْأَغْلَبَ أَنَّ مُقَامَ صَفِيَّةَ مَعَ ابْنَةِ أَخِيهَا كَانَ بِعِلْمِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ وَاَلَّذِي لَا رَيْبَ فِيهِ أَنَّهُ عَلِمَ بِذَلِكَ بَعْدَ مَجِيئِهَا وَقَدْ سُئِلَ عَنْ حُكْمِهِمَا فَلَمْ يُنْكِرْ الْمُقَامَ عَلَى صَفِيَّةَ مَعَ ابْنَةِ أَخِيهَا وَإِنْ كَانَ الْعُذْرُ مُخْتَصًّا بِابْنَةِ أَخِيهَا دُونَهَا وَلَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ مِثْلُ هَذَا مُبَاحًا لِمَنْ خِيفَ عَلَيْهِ الضَّيَاعُ وَالْهَلَاكُ فِي الِانْفِرَادِ بِمِثْلِ هَذِهِ الْحَالِ أَنْ يُقِيمَ مَعَ مَنْ يُخَافُ عَلَيْهِ الْهَلَاكُ بِانْفِرَادِهِ وَتُرْجَى نَجَاتُهُ وَصَلَاحُ حَالِهِ بِالْمُقَامِ مَعَهُ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى جَوَازِ التَّيَمُّمِ لِمَنْ لَا مَاءَ مَعَهُ وَخَافَ عَلَى غَيْرِهِ الْهَلَاكَ مِنْ الْعَطَشِ وَيُعْطِيه إيَّاهُ فَيُحْيِيه بِهِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ فَأَمَرَهُمَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ أَنْ يَرْمِيَا الْجَمْرَةَ حِينَ أَتَيَا يُرِيدُ أَنَّهُمَا قَدْ أَدْرَكَتَا وَقْتَ قَضَاءِ الرَّمْيِ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكَا وَقْتَ أَدَاءِ الرَّمْيِ فَأَمَرَهُمَا بِقَضَاءِ الرَّمْيِ وَأَوَّلُ وَقْتِ أَدَاءِ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ طُلُوعُ الْفَجْرِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَآخِرُهُ وَقْتُ مَغِيبِ الشَّفَقِ مِنْ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَوَّلُ وَقْتِ الْقَضَاءِ آخِرُ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَوْلُهُ أَنْ يَرْمِيَا حِينَ أَتَيَا دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ الرَّمْيِ بِاللَّيْلِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ سَوَاءٌ فِي قَضَاءِ الرَّمْيِ وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ فَجَازَ فِعْلُهُ بِاللَّيْلِ كَالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَالْوُقُوفِ.
(فَصْلٌ)
وَقَوْلُهُ وَلَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا شَيْئًا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَمْ يَرَ عَلَيْهِمَا دَمًا وَلَا غَيْرَهُ.
وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ فِي الْمَبْسُوطِ: وَأَمَّا أَنَا فَأَرَى عَلَى كُلِّ مَنْ كَانَ فِي مِثْلِ حَالِ صَفِيَّةَ يَوْمَ النَّحْرِ وَلَمْ يَرْمِ حَتَّى غَابَتْ الشَّمْسُ الدَّمَ وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ فَاتَهُ الْأَدَاءُ لَزِمَهُ الرَّمْيُ وَالْهَدْيُ كَاَلَّذِي يَمْرَضُ فَلَا يَقْدِرُ عَلَى الرَّمْيِ فِي وَقْتِ الْأَدَاءِ وَيَرْمِي آخِرَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْخِلَافِ فِيهِ.
(مَسْأَلَةٌ)
إذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فَمَنْ تَرَكَ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ فَذَكَرَهَا

الصفحة 52