كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

ص.
(قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ نُسُكٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ لَا يَصْلُحُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا وَلَا يَحْلِقَهُ وَلَا يُقَصِّرَهُ حَتَّى يَحِلَّ إلَّا أَنْ يُصِيبَهُ أَذًى فِي رَأْسِهِ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ كَمَا أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى وَلَا يَصْلُحُ لَهُ أَنْ يُقَلِّمَ أَظْفَارَهُ وَلَا يَقْتُلَ قَمْلَةً وَلَا يَطْرَحَهَا مِنْ رَأْسِهِ إلَى الْأَرْضِ وَلَا مِنْ جِلْدِهِ وَلَا مِنْ ثَوْبِهِ فَإِنْ طَرَحَهَا الْمُحْرِمُ مِنْ جِلْدِهِ أَوْ مِنْ ثَوْبِهِ فَلْيُطْعِمْ حَفْنَةً مِنْ طَعَامٍ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQفِي الْمَبْسُوطِ فِيمَنْ نَفَخَ تَحْتَ قِدْرٍ أَوْ أَدْخَلَ يَدَهُ فِي التَّنُّورِ فَأَحْرَقَ شَعْرَهُ لَهَبُ النَّارِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَوَجْهُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْنَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَأَخَذَ بِجَبْهَتِي وَقَالَ: احْلِقْ هَذَا الشَّعْرَ يُرِيدُ مَا عَلَى جَبْهَتِهِ مِنْ شَعْرِ رَأْسِهِ وَأَخْذُهُ بِذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ التَّأْنِيسِ لَهُ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ رَفْعَ الْإِشْكَالِ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُ: احْلِقْ شَعْرَ رَأْسِكَ لَجَوَّزَ أَنْ يَدْخُلَ فِيهِ غَيْرُ شَعْرِ الرَّأْسِ وَكَذَلِكَ لَوْ قَالَ: احْلِقْ شَعْرَ رَأْسِكَ لَجَوَّزَ أَنْ يَكُونَ اسْمُ الرَّأْسِ مَقْصُورًا عَلَى جَارِحَةٍ مَخْصُوصَةٍ أَوْ يَتَعَدَّى ذَلِكَ إلَى مَا يَدْخُلُ تَحْتَ اسْمِ الرَّأْسِ عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ كَالْوَجْهِ وَغَيْرِهِ فَأَزَالَ الْإِشْكَالَ بِأَنْ أَشَارَ لَهُ إلَى مَا يُبَاحُ لَهُ حَلْقُهُ وَهُوَ شَعْرُ رَأْسِهِ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَلَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إلَّا أَنَّهُ أَمَرَهُ بِالْإِطْعَامِ وَالصِّيَامِ وَلَمْ يَذْكُرْ النُّسُكَ قَالَ: وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ يُرِيدُ أَنَّهُ لِذَلِكَ لَمْ يَأْمُرْهُ بِالنُّسُكِ لِمَا عَلِمَ مِنْ حَالِهِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ مِنْ حَدِيثِ عَبْدِ الْكَرِيمِ الْجَزَرِيِّ وَمُجَاهِدٍ أَنَّهُ نَصَّ عَلَى النُّسُكِ بِالشَّاةِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ فَإِنَّ عَبْدَ الْكَرِيمِ وَمُجَاهِدًا رَوَيَا حُكْمَ مَنْ حَلَقَ فِي الْجُمْلَةِ دُونَ تَعْيِينِ أَحَدٍ وَحَكَى عَطَاءُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ مَا أَمَرَ بِهِ كَعْبَ بْنَ عُجْرَةَ فِي خَاصَّةِ نَفْسِهِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ كَعْبٌ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدْ عَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ عِنْدِي مَا أَنْسُكُ بِهِ إلَّا أَنَّهُ ذَكَرَ لِي حُكْمَ النُّسُكِ لِيُبَيِّنَ بِذَلِكَ حُكْمَ مَنْ هُوَ عِنْدَهُ ص.
(قَالَ مَالِكٌ فِي فِدْيَةِ الْأَذَى أَنَّ الْأَمْرَ فِيهِ أَنَّ أَحَدًا لَا يَفْتَدِي حَتَّى يَفْعَلَ مَا يُوجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةَ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَأَنَّهُ يَضَعُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ نُسُكٌ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ) .
(ش) : وَمَعْنَى ذَلِكَ أَنَّ الْفِدْيَةَ إنَّمَا هِيَ عَنْ إمَاطَةِ الْأَذَى فَلَمَّا لَمْ يُمِطْهُ لَمْ تَجِبْ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ وَلَا وُجِدَ سَبَبُ وُجُوبِهَا فَلَا يُجْزِئُ عَنْهُ كَمَا لَا يُجْزِئُ إخْرَاجُ الْهَدْيِ قَبْلَ تَجَاوُزِ الْمِيقَاتِ بِالْإِحْرَامِ وَلَا بِالْقَضَاءِ فِي الْحَجِّ قَبْلَ الْفَوَاتِ وَلَا قَبْلَ الْإِفْسَادِ وَلَا الْكَفَّارَةِ فِي الصَّوْمِ قَبْلَ إفْسَادِهِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَإِنَّ الْكَفَّارَةَ إنَّمَا تَكُونُ بَعْدَ وُجُوبِهَا عَلَى صَاحِبِهَا وَذَلِكَ يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنْ يُرِيدَ كَفَّارَةَ الْيَمِينِ فَقَاسَ فِدْيَةَ الْأَذَى عَلَيْهَا فِي الْمَنْعِ وَالثَّانِي أَنْ يُرِيدَ أَنَّ فِدْيَةَ الْأَذَى كَفَّارَةٌ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا قَبْلَ وُجُوبِهَا فَنَبَّهَ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ هَذَا حُكْمُ جَمِيعِ الْكَفَّارَاتِ وَأَنَّ الْفِدْيَةَ مِنْ جُمْلَةِ الْكَفَّارَاتِ فَلَا يَجُوزُ إخْرَاجُهَا حَتَّى تَجِبَ فَهَذَا مُطَّرِدٌ عَلَى رِوَايَةِ مَنْعِ إخْرَاجِ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ قَبْلَ الْحِنْثِ وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ إجَازَةِ ذَلِكَ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كَفَّارَةَ الْفِدْيَةِ لَمْ يُوجَدْ سَبَبُهَا وَكَفَّارَةُ الْيَمِينِ قَدْ وُجِدَ سَبَبُهَا وَهُوَ الْيَمِينُ وَإِنَّمَا جُعِلَتْ الْكَفَّارَةُ لِحِلِّ الْيَمِينِ كَالِاسْتِثْنَاءِ فَوَازَنَ فِدْيَةَ الْأَذَى مِنْ الْيَمِينِ أَنْ يُكَفِّرَ قَبْلَ يَمِينِهِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ قَوْلًا وَاحِدًا.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَيَجْعَلُ فِدْيَتَهُ حَيْثُمَا شَاءَ النُّسُكُ أَوْ صِيَامٌ أَوْ صَدَقَةٌ بِمَكَّةَ أَوْ بِغَيْرِهَا مِنْ الْبِلَادِ ظَاهِرُ هَذَا اللَّفْظِ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ إخْرَاجَ أَيِّ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَيْثُ شَاءَ مِنْ الْبِلَادِ فَأَمَّا النُّسُكُ فَإِنَّ الْغَرَضَ فِيهِ إرَاقَةُ دَمِهِ وَإِيصَالُ لَحْمِهِ إلَى مَنْ يَسْتَحِقُّهُ فَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِوَقْتٍ وَلَا مَكَان وَإِنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ خَاصَّةً فَلِذَلِكَ جَازَ أَنْ يَذْبَحَ لَيْلًا وَنَهَارًا كَشَاةِ الزَّكَاةِ لَا يَتَعَلَّقُ إخْرَاجُهَا بِوَقْتٍ وَلَا مَكَان وَبِهَذَا فَارَقَتْ الْأُضْحِيَّةَ وَالْعَقِيقَةَ فَإِنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِوَقْتٍ وَالْهَدْيُ مُعَلَّقٌ بِوَقْتٍ وَمَكَانٍ.

(ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ أَنْ يَنْتِفَ مِنْ شَعْرِهِ شَيْئًا وَلَا يُقَصِّرَ لِأَنَّهُ إزَالَةٌ لِأَذَى الشَّعْرِ وَإِمَاطَةٌ لَهُ وَذَلِكَ مِمَّا يُمْنَعُ مِنْهُ الْحَرَامُ كَالْحِلَاقِ.
وَقَدْ قَالَ

الصفحة 69