كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

رَأْسِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لَمْ يُفِضْ إنَّ عَلَيْهِ جَزَاءَ ذَلِكَ الصَّيْدِ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَمَنْ لَمْ يُفِضْ فَقَدْ بَقِيَ عَلَيْهِ مَسُّ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ وَلَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ أَحَدًا حَكَمَ عَلَيْهِ فِيهِ بِشَيْءٍ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ) .

(ص) : (قَالَ مَالِكٌ فِي الَّذِي يَجْهَلُ أَوْ يَنْسَى صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ أَوْ يَمْرَضُ فِيهَا فَلَا يَصُومُهَا حَتَّى يَقْدُمَ بَلَدَهُ قَالَ: لِيُهْدِ إنْ وَجَدَ هَدْيًا وَإِلَّا فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَهْلِهِ وَسَبْعَةً بَعْدَ ذَلِكَ) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (ش) : وَهَذَا كَمَا قَالَ: إنَّ مَنْ لَمْ يُفِضْ فَلَمْ يَكْمُلْ تَحَلُّلُهُ بِدَلِيلِ أَنَّهُ مَمْنُوعٌ مِنْ النِّسَاءِ وَالطِّيبِ فَلَا يَجُوزُ لَهُ الِاصْطِيَادُ لِأَنَّهُ إنَّمَا أُبِيحَ لَهُ الِاصْطِيَادُ بَعْدَ التَّحَلُّلِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] وَهَذَا لَمْ يَكْمُلْ تَحَلُّلُهُ بَعْدُ فَإِنْ خَرَجَ إلَى الْحِلِّ لَمْ يَجُزْ لَهُ الِاصْطِيَادُ لِحُرْمَةِ إحْرَامِهِ وَإِنَّمَا يُسْتَبَاحُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ مَا تَجِبُ بِهِ الْفِدْيَةُ مِمَّا لَيْسَ مِنْ دَوَاعِي الِاسْتِمْتَاعِ مِنْ حَلْقِ الشَّعْرِ وَإِلْقَاءِ التَّفَثِ وَاللِّبَاسِ الَّذِي لَا يَجِبُ بِهِ هَدْيٌ وَإِنَّمَا خَصَّ مِنْ ذَلِكَ الطِّيبَ لِأَنَّهُ مِنْ دَوَاعِي النِّكَاحِ وَالِاسْتِمْتَاعِ وَذَلِكَ مَمْنُوعٌ بَعْدُ فِي حَقِّهِ.

(ش) : قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ إلَى آخِرِ الْفَصْلِ ذَكَرَ فِيهِ مَسْأَلَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: قَوْلُهُ لَيْسَ عَلَى الْمُحْرِمِ فِيمَا قَطَعَ مِنْ الشَّجَرِ فِي الْحَرَمِ شَيْءٌ وَالثَّانِيَةُ قَوْلُهُ وَبِئْسَ مَا صَنَعَ فَنَصَّ عَلَى الْمَنْعِ مِنْ ذَلِكَ وَتَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ مَسْأَلَةٌ ثَالِثَةٌ وَهِيَ تَبْيِينُ الشَّجَرِ الْمَمْنُوعِ قَطْعُهُ وَتَمْيِيزُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى فِي أَنَّهُ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجِبُ عَلَيْهِ بِهِ الْجَزَاءُ وَدَلِيلُنَا مِنْ جِهَةِ الْقِيَاسِ أَنَّ هَذَا مَعْنَى لَوْ أَتْلَفَهُ الْمُحْرِمُ فِي الْحِلِّ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ فَإِذَا أَتْلَفَهُ الْحَلَالُ فِي الْحَرَمِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ جَزَاءٌ أَصْلُهُ ذَبْحُ الدَّوَابِّ.
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ فِي الْمَنْعِ مَنْ قَطَعَ شَجَرَ الْحَرَمِ فَهُوَ مَذْهَبُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا» .
1 -
(مَسْأَلَةٌ) :
وَأَمَّا تَبْيِينُ مَا يُسْتَبَاحُ قَطْعُهُ مِنْ شَجَرِ الْحَرَمِ وَتَمْيِيزُهُ مِمَّا هُوَ مَمْنُوعٌ فَإِنَّ الْمَمْنُوعَ مِنْهُ مَا هُوَ مِنْ شَجَرِ الْبَادِيَةِ مِمَّا لَا يُمْلَكُ غَالِبًا وَجَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنْ يَنْبُتَ مِنْ غَيْرِ عَمَلِ آدَمِيٍّ كَالطَّلْحِ وَالسَّمُرِ وَالسَّعْدَانِ وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ وَكَذَلِكَ سَائِرُ أَنْوَاعِ الْحَشِيشِ إلَّا الْإِذْخِرَ وَالْأَصْلُ فِي ذَلِكَ مَا رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «لَا يُخْتَلَى خَلَاهَا وَلَا يُعْضَدُ شَجَرُهَا فَقَالَ الْعَبَّاسُ: إلَّا الْإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَإِنَّهُ لِصَاغَتِنَا وَقُبُورِنَا فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إلَّا الْإِذْخِرَ» قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَالسَّنَا عِنْدِي مِثْلُهُ وَلَمْ أَرَ فِيهِ نَصًّا لِأَصْحَابِنَا غَيْرَ أَنَّ الْحَاجَةَ إلَيْهِ عَامَّةٌ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ يُؤْخَذُ وَيُنْقَلُ إلَى الْبِلَادِ عَلَى سَبِيلِ التَّدَاوِي وَلَمْ يُنْكِرْهُ أَحَدٌ فَصَحَّ أَنَّهُ مُبَاحٌ وَهَذَا فِيمَا يَنْبُتُ بِنَفْسِهِ فَكَانَ عَلَى حُكْمِ أَصْلِهِ وَأَمَّا مَا غُرِسَ مِنْهُ وَاُتُّخِذَ بِالْعَمَلِ وَمَلَكَهُ الْعَامِلُ قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْوَلِيدِ: فَعِنْدِي أَنَّهُ يَجُوزُ أَخْذُهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ ذَلِكَ وَوَجْهُ إبَاحَةِ ذَلِكَ عِنْدِي أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَا يَأْنَسُ مِنْ الْوَحْشِ فَإِنَّ الْحَرَمَ لَا يَمْنَعُ مِنْهُ.
(فَرْعٌ) وَأَمَّا مَا جَرَتْ الْعَادَةُ بِأَنَّهُ يُمْلَكُ وَيُغْرَسُ وَيُعْمَلُ كَالنَّخْلِ وَالرُّمَّانِ وَالْجَوْزِ وَالْخَوْخِ وَمَا أَشْبَهَهَا فَإِنَّهُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ قَطْعُهُ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ يُتَّخَذُ مِنْ الْبُقُولِ وَسَوَاءٌ نَبَتَ بِنَفْسِهِ أَوْ بِصُنْعِ آدَمِيٍّ لِأَنَّهُ عَلَى أَصْلِهِ وَيَجْرِي ذَلِكَ مَجْرَى الْحَيَوَانِ مَا كَانَ أَصْلُهُ التَّأْنِيسَ فَإِنَّهُ لَا يُمْنَعُ مِنْ اصْطِيَادِهِ فِي الْحَرَمِ وَإِنْ تَوَحَّشَ.

(ش) : نَصَّ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى حُكْمِ مَنْ جَهِلَ أَوْ نَسِيَ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَيَحْتَمِلُ قَوْلُهُ أَوْ جَهِلَ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ جَهِلَ الْحُكْمَ وَالثَّانِي أَنْ يَكُونَ مَعْنَى جَهِلَ فَعَلَ مَا لَا يَجُوزُ فَيَكُونُ مَعْنَى جَهِلَ هُنَا تَعَمَّدَ فَإِنْ قُلْنَا: إنَّ مَعْنَى جَهِلَ تَعَمَّدَ فَقَدْ اسْتَوْعَبَ حُكْمَ الْعَامِدِ وَالنَّاسِي وَإِنْ قُلْنَا: مَعْنَى جَهِلَ لَمْ يَعْلَمْ الْحُكْمَ فَإِنَّهُ تَرَكَ ذِكْرَ الْعَامِدِ وَإِنْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ إعْظَامًا لِفِعْلِهِ وَتَغْلِيظًا لِحُكْمِهِ وَالْأَفْضَلُ أَنْ تُجْعَلَ لَفْظَةُ جَهِلَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لِاحْتِمَالِهَا لَهُمَا

الصفحة 75