كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى إذَا كَانَ بِقَدِيدٍ جَاءَهُ خَبَرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ فَرَجَعَ فَدَخَلَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَحَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهَابٍ بِمِثْلِ ذَلِكَ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ الدِّيلِيِّ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ: «عَدَلَ إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَقَالَ: مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ؟ فَقُلْتُ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا فَقَالَ: هَلْ غَيْرُ ذَلِكَ فَقُلْتُ: لَا مَا أَنْزَلَنِي إلَّا ذَلِكَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -» إذَا كُنْتَ بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى وَنَفَخَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ السِّرَرُ بِهِ سَرْحَةٌ سُرَّ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQدَخَلَ مَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ وَعَلَى رَأْسِهِ الْمِغْفَرُ» يَقْتَضِي أَحَدَ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مُحْرِمٍ فَلِذَلِكَ غَطَّى رَأْسَهُ بِالْمِغْفَرِ وَهُوَ الْأَظْهَرُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَرْوِ أَحَدٌ أَنَّهُ تَحَلَّلَ مِنْ إحْرَامٍ.
وَقَدْ رُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «وَإِنَّمَا أُحِلَّتْ لِي سَاعَةٌ مِنْ نَهَارٍ» فَعَلَى أَنَّ دُخُولَ مَكَّةَ عَلَى غَيْرِ إحْرَامٍ خَاصٌّ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلِهَذَا قَالَ مَالِكٌ: وَلَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَوْمئِذٍ مُحْرِمًا وَقَدْ كَانَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ غَطَّى رَأْسَهُ لِأَذًى اضْطَرَّهُ إلَى ذَلِكَ وَافْتَدَى لَوْ ثَبَتَ أَنَّهُ دَخَلَ مَكَّةَ مُحْرِمًا وَدُخُولُ مَكَّةَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَضْرُبٍ: أَنْ يُرِيدَ دُخُولَهَا لِلنُّسُكِ فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ فَهَذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا مُحْرِمًا فَإِنْ تَجَاوَزَ الْمِيقَاتَ غَيْرَ مُحْرِمٍ ثُمَّ أَحْرَمَ فَعَلَيْهِ دَمٌ وَالضَّرْبُ الثَّانِي أَنْ يَدْخُلَهَا غَيْرَ مُرِيدٍ لِلنُّسُكِ وَإِنَّمَا يَدْخُلُهَا لِحَاجَةٍ تَتَكَرَّرُ كَالْحَطَّابِينَ وَأَصْحَابِ الْفَوَاكِهِ فَهَؤُلَاءِ يَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُهَا غَيْرَ مُحْرِمِينَ لِأَنَّ الضَّرُورَةَ كَانَتْ تَلْحَقُهُمْ بِالْإِحْرَامِ مَتَى احْتَاجُوا إلَى دُخُولِهَا لِتَكَرُّرِ ذَلِكَ وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ أَنْ يَدْخُلَهَا لِحَاجَتِهِ وَهِيَ مِمَّا لَا تَتَكَرَّرُ فَهَذَا لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْخُلَهَا إلَّا مُحْرِمًا لِأَنَّهُ لَا ضَرَرَ عَلَيْهِ فِي إحْرَامِهِ وَإِنْ دَخَلَهَا غَيْرَ مُحْرِمٍ فَهَلْ عَلَيْهِ دَمٌ أَوْ لَا؟ الظَّاهِرُ مِنْ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَا شَيْءَ عَلَيْهِ وَقَدْ أَسَاءَ.
1 -
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ «فَلَمَّا نَزَعَ الْمِغْفَرَ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابْنُ خَطَلٍ مُتَعَلِّقٌ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ» ابْنُ خَطَلٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ خَطَلٍ فَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ عَرَفَهُ حِينَئِذٍ لَمَّا أَزَالَ الْمِغْفَرَ عَنْ رَأْسِهِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ وَافَقَ نَزْعُهُ الْمِغْفَرَ مَجِيءَ الرَّجُلِ وَإِخْبَارَهُ وَكَانَ تَعَلُّقُ ابْنِ خَطَلٍ بِأَسْتَارِ الْكَعْبَةِ اسْتِجَارَةً بِهَا فَإِنَّهُ كَانَ مِمَّنْ يُؤْذِي النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَّنَ كُلَّ مَنْ أَلْقَى السِّلَاحَ وَدَخَلَ دَارَ أَبِي سُفْيَانَ إلَّا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ خَطَلٍ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اُقْتُلُوهُ» دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ تَنْفَعْهُ اسْتِجَارَتُهُ بِالْبَيْتِ وَالْحَرَمِ لَمَّا أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ مِنْ سَفْكِ دَمِهِ وَهَكَذَا كُلُّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ سَفْكُ دَمِهِ لِقِصَاصٍ أَوْ غَيْرِهِ يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ وَسَيَأْتِي ذِكْرُهُ فِي كِتَابِ الْجِنَايَاتِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

(ش) : قَوْلُهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَقْبَلَ مِنْ مَكَّةَ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ يُرِيدُ الْمَدِينَةَ لِأَنَّ قَدِيدًا مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَوَرَدَ عَلَيْهِ بِقَدِيدٍ خَبَرٌ مِنْ الْمَدِينَةِ وَذَلِكَ الْخَبَرُ الَّذِي وَرَدَ عَلَيْهِ يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى رُجُوعَهُ إلَى مَكَّةَ لِامْتِنَاعِ وُصُولِهِ إلَى الْمَدِينَةِ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اقْتَضَى رُجُوعَهُ إلَى مَكَّةَ لِيَخْرُجَ إلَى الْمَدِينَةِ عَلَى غَيْرِ الصِّفَةِ الَّتِي كَانَ خَرَجَ عَلَيْهَا أَوْ لِيَسْتَصْحِبَ مَا لَمْ يَكُنْ اسْتَصْحَبَهُ أَوْ لِيُقَدِّمَ مَا لَمْ يَكُنْ يُقَدِّمُهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَدَخَلَ مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ قَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ الدَّاخِلِ إلَى مَكَّةَ بِغَيْرِ إحْرَامٍ ابْتِدَاءً وَمَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ الْإِحْرَامِ وَمَا يَجُوزُ مِنْهُ بِغَيْرِ إحْرَامٍ وَالْكَلَامُ هَاهُنَا فِي الرَّاجِعِ إلَى مَكَّةَ لِحَاجَةٍ نَسِيَهَا أَوْ لِقِصَّةٍ ذَكَرَهَا وَهُوَ لَا يُرِيدُ نُسُكًا وَلَا مَقَامًا بِهَا وَإِنَّمَا يُرِيدُ أَخْذَ مَا نَسِيَهُ ثُمَّ يَخْرُجُ عَنْهَا فَإِنَّ هَذَا عِنْدِي مِثْلُ مَنْ طَافَ طَوَافَ الْوَدَاعِ ثُمَّ رَجَعَ.

(ش) : قَوْلُهُ غَدَا إلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَأَنَا نَازِلٌ تَحْتَ سَرْحَةٍ بِطَرِيقِ مَكَّةَ السَّرْحَةُ الشَّجَرَةُ الْعَظِيمَةُ وَإِنَّمَا عَدَلَ إلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ الْعِلْمِ لِيَخْتَبِرَ إنْ كَانَ ذَلِكَ أَنْزَلَهُ أَوْ أَنْزَلَهُ الظِّلُّ فَيُعْلِمُهُ بِمَا عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ اغْتِنَامًا لِلْأَجْرِ وَحِرْصًا عَلَى تَعْلِيمِ

الصفحة 80