كتاب المنتقى شرح الموطإ (اسم الجزء: 3)

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ مَرَّ بِامْرَأَةٍ مَجْذُومَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ بِالْبَيْتِ فَقَالَ لَهَا: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ لَوْ جَلَسْتِ فِي بَيْتِكِ فَجَلَسَتْ فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ بَعْدَ ذَلِكَ فَقَالَ لَهَا: إنَّ الَّذِي كَانَ نَهَاك قَدْ مَاتَ فَاخْرُجِي فَقَالَتْ: مَا كُنْت لَأُطِيعُهُ حَيًّا وَأَعْصِيهِ مَيِّتًا) .

(ص) : (مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ كَانَ يَقُولُ: مَا بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْبَابِ الْمُلْتَزَمُ) .

(ص) : (مَالِكٌ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَحْيَى بْنِ حِبَّانَ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَذْكُرُ أَنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ وَأَنَّ أَبَا ذَرٍّ سَأَلَهُ: أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ: أَرَدْت الْحَجَّ فَقَالَ: هَلْ نَزَعَكَ غَيْرُهُ فَقَالَ: لَا قَالَ: فَائْتَنِفْ الْعَمَلَ قَالَ الرَّجُلُ: فَخَرَجْتُ فَقَدِمْتُ مَكَّةَ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ إذَا أَنَا بِالنَّاسِ مُنْقَصِفِينَ عَلَى رَجُلٍ فَضَاغَطَتْ عَلَيْهِ النَّاسُ فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي وَجَدْتُ بِالرَّبَذَةِ يَعْنِي أَبَا ذَرٍّ قَالَ: فَلَمَّا رَآنِي عَرَفَنِي فَقَالَ: هُوَ الَّذِي حَدَّثْتُك) .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْعِلْمِ وَلَعَلَّ ابْنَ عُمَرَ قَدْ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ التَّبَرُّكَ بِالْوُصُولِ إلَيْهَا وَذِكْرَ اللَّهِ عِنْدَهَا لَمَّا كَانَ عِنْدَهُ مِنْ عِلْمِ فَضْلِهَا إنْ كَانَتْ السَّرْحَةُ مُعَيَّنَةً عِنْدَهُ أَوْ لِظَنِّهِ أَنَّهَا تِلْكَ لِعَدَمِ مِثْلِهَا فِي تِلْكَ الْجِهَةِ أَوْ لَعَلَّهُ رَجَا أَنْ يَكُونَ عِنْدَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ عِلْمٌ بِعَيْنِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ مَا أَنْزَلَكَ تَحْتَ هَذِهِ السَّرْحَةِ؟ اخْتِبَارًا لِمَا عِنْدَ عِمْرَانَ الْأَنْصَارِيِّ فِي ذَلِكَ فَلَمَّا قَالَ: أَرَدْتُ ظِلَّهَا اسْتَفْهَمَهُ إنْ كَانَ اقْتَرَنَ بِذَلِكَ غَرَضٌ آخَرُ مِنْ تَبَرُّكٍ بِهَا أَوْ مَعْرِفَةِ شَيْءٍ مِمَّا يُرْجَى عِنْدَهَا فَإِنَّهُ يَجْتَمِعُ فِيهَا الْأَمْرَانِ لِمَنْ قَصَدَ ذَلِكَ وَنَوَاهُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا كُنْت بَيْنَ الْأَخْشَبَيْنِ مِنْ مِنًى الْأَخْشَبَانِ الْجَبَلَانِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ طَرِيقَ عِمْرَانَ إلَى مَكَّةَ أَوْ مِنْ مَكَّةَ كَانَ عَلَى مِنًى إمَّا لِأَنَّهُ كَانَ وَارِدًا مِنْ الْيَمَنِ أَوْ السَّرَاةِ أَوْ لِأَنَّهُ جَعَلَ طَرِيقَهُ مِنْ الْمَدِينَةِ عَلَى تِلْكَ الْجِهَةِ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ وَنَفَخَ بِيَدِهِ يُرِيدُ أَشَارَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ الْبُعْدَ عَنْ الْمَوْضِعِ الَّذِي كَانَ بِهِ حِينَ أَشَارَ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فَإِنَّ هُنَاكَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ: السِّرَرُ بِهِ سَرْحَةٌ تَحْتَهَا سَبْعُونَ نَبِيًّا» يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْوَادِي يُسَمَّى السِّرَرَ لِذَلِكَ وَإِنَّمَا أَعْلَمَ بِذَلِكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَظْهَرُ إلَيَّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ لِفَضْلِ الذِّكْرِ عِنْدَهَا لِمَنْ مَرَّ بِهَا وَرَجَاءِ إجَابَةِ الدُّعَاءِ وَتَنَزُّلِ الرَّحْمَةِ عِنْدَهَا.

(ش) : قَوْلُهُ لِلْمَرْأَةِ الْمَجْذُومَةِ الطَّائِفَةِ بِالْبَيْتِ: يَا أَمَةَ اللَّهِ لَا تُؤْذِي النَّاسَ عَلَى سَبِيلِ الرِّفْقِ بِهَا فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ عَرَضَ عَلَيْهَا بِالرِّفْقِ مَا هُوَ أَرْفَقُ بِهَا فَأَطَاعَتْهُ وَقَوْلُهَا: مَا كُنْت لَأُطِيعُهُ حَيًّا وَأَعْصِيهِ مَيِّتًا تُرِيدُ أَنَّهَا أَطَاعَتْهُ لِأَنَّهُ أَمَرَهَا بِالْحَقِّ وَذَلِكَ يُوجِبُ عَلَيْهَا امْتِثَالَ مَا أَمَرَ بِهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ فِي حَيَاتِهِ وَبَعْدَ مَوْتِهِ.

(ش) : قَوْلُهُ مَا بَيْنَ الرُّكْنِ يُرِيدُ الرُّكْنَ الْأَسْوَدَ وَفِيهِ الْحَجَرُ وَبَيْنَ الْبَابِ يُرِيدُ بَابَ الْمُلْتَزَمِ وَمَعْنَى ذَلِكَ الْتِزَامُ الْبَيْتِ وَالتَّعَوُّذُ بِهِ وَمَوْضِعُ الدُّعَاءِ وَالْوُقُوفِ.

(ش) : قَوْلُهُ إنَّ رَجُلًا مَرَّ عَلَى أَبِي ذَرٍّ بِالرَّبَذَةِ لِأَنَّهُ كَانَ نَزَلَهَا زَمَنَ عُثْمَانَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَقَالَ أَبُو ذَرٍّ لِلرَّجُلِ: أَيْنَ تُرِيدُ فَقَالَ: أَرَدْتُ الْحَجَّ فَقَالَ لَهُ أَبُو ذَرٍّ: هَلْ نَزَعَك غَيْرُهُ أَيْ هَلْ حَمَلَك عَلَى سَفَرِك هَذَا غَيْرُهُ مِنْ قَصْدِ حَاجَةٍ أَوْ تِجَارَةٍ أَوْ نِكَاحٍ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَغْرَاضِ فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: لَا قَالَ: فَائْتَنِفْ الْعَمَلَ وَلِذَلِكَ لِمَا رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ رَجَعَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» يُرِيدُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ أَنَّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ لِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ مِنْ الْعَمَلِ قَدْ كَفَّرَ سَائِرَ ذُنُوبِهِ فَصَارَ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ لَا ذَنْبَ لَهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(فَصْلٌ) :
وَقَوْلُهُ فَمَكَثْتُ مَا شَاءَ اللَّهُ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي الْمُدَّةِ الطَّوِيلَةِ قَالَ ثُمَّ إذَا أَنَا بِالنَّاسِ مُنْقَصِفِينَ عَلَى رَجُلٍ يُرِيدُ مُتَزَاحِمِينَ عَلَيْهِ يَقْصِفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا مِنْ شِدَّةِ تَزَاحُمِهِمْ فَضَاغَطَتْ عَلَيْهِ يُرِيدُ أَنَّهُ ضَايَقَ النَّاسُ حَتَّى وَصَلَ إلَى النَّظَرِ إلَيْهِ فَإِذَا أَنَا بِالشَّيْخِ الَّذِي وَجَدْتُهُ بِالرَّبَذَةِ يُرِيدُ أَبَا ذَرٍّ إذْ قَالَ لَهُ: ائْتَنِفْ الْعَمَلَ

الصفحة 81