كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
المعتبر بالآيات الناظر فيها نظر اعتبار {كيف كان عاقبة} أي: آخر أمر {الظالمين} حيث صاروا إلى الهلاك فحذِّر قومك عن مثلها وفي هذا إشارة إلى أنّ كل ظالم تكون عاقبته هكذا إن صابره المظلوم المحق ورابطه {حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين} ولما كان: «من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة ومن سن سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة» قال الله تعالى:
{وجعلناهم} أي: في الدنيا {أئمة} أي: قدوة للضلال بالحمل على الإضلال، وقيل بالتسمية كقوله تعالى {وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثاً} (الزخرف: 19)
أو بمنع الألطاف الصارفة عنه {يدعون} أي: يوجدون الدعاء لمن اغتر بحالهم فضل بضلالهم {إلى النار} أي: إلى موجباتها من الكفر والمعاصي، وأمّا أئمة الحق فإنما يدعون إلى موجبات الجنة من فعل الطاعات والنهي عن المنكرات: جعلنا الله تعالى وأحبابنا معهم بمحمد وآله، ولما كان الغالب من حال الأئمة النصرة وقد أخبر عن خذلانهم في الدنيا قال تعالى: {ويوم القيامة} أي: الذي هو يوم التغابن {لا ينصرون} أي: لا يكون لهم نوع نصرة تدفع العذاب عنهم.
{وأتبعناهم في هذه الدنيا لعنة} أي: طرداً عن الرحمة ودعاء عليهم بذلك من كل من سمع خبرهم بلسانه إن خالفهم أو بفعله الذي يكون عليهم مثل وزره إن وافقهم، وإنما قال الله تعالى: {الدنيا} ولم يقل الحياة، قال البقاعي: لأنّ السياق لتحقير أمرهم ودناءة شأنهم.
{ويوم القيامة هم} أي: خاصة ومن شاكلهم {من المقبوحين} أي: المبعدين أيضاً المخزيين مع قبح الوجوه والأشكال والشناعة في الأقوال والأفعال والأحوال من القبح الذي هو ضد الحسن من قولهم: قبح الله العدو أبعده عن كل خير، وقال أبو عبيدة: من المهلكين، قال البقاعي: فيا ليت شعري أي: صراحة بعد هذا في أنّ فرعون عدوّ الله في الآخرة كما كان عدوّ الله في الدنيا فلعنة الله على من يقول إنه مات مؤمناً وأنه لا صراحة في القرآن بأنه من أهل النار وعلى من يشك في كفره بعدما ارتكبه من جلي أمره انتهى، وقد قدّمت الكلام في سورة يونس على قول فرعون وأنا من المسلمين.
ثم إنه تعالى أخبر عن أساس إمامة بني إسرائيل مقسماً عليه مع الافتتاح بحرف التوقع بقوله.
{ولقد آتينا} أي: بما لنا من الجلال والكمال {موسى الكتاب} أي: التوراة الجامعة للهدى والخير في الدارين، قال أبو حيان: وهو أوّل كتاب نزلت فيه الفرائض والأحكام.
{من بعدما أهلكنا القرون الأولى} أي: من قوم نوح إلى قوم فرعون وقوله تعالى {بصائر للناس} حال من الكتاب جمع بصيرة وهي نور القلب أي: أنوار القلوب فيبصر بها الحقائق ويميز بين الحق والباطل كما أنّ البصر نور العين الذي تبصر به {وهدى} أي: للعامل بها إلى كل خير {ورحمة} أي: نعمة هنيئة شريفة لأنها قائدة إليهما، ولما ذكر حالها ذكر حالهم بعد إنزالها بقوله تعالى: {لعلهم يتذكرون} أي: ليكون حالهم حال من يرجى تذكره، ثم إنّ الله تعالى خاطب نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله تعالى:
{وما كنت} أي: يا أفضل الخلق {بجانب الغربي} قال قتادة: بجانب الجبل الغربي، وقال الكلبي: بجانب الوادي الغربي أي: الوادي من الطور الذي رأى موسى عليه السلام فيه النار وهو ما يلي البحر
الصفحة 102
604