كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
وروي عن ابن عباس ورفعه بعضهم: قال الله تعالى يا أمّة محمد فأجابوه من أصلاب الآباء وأرحام الأمّهات لبيك اللهمّ لبيك إن الحمد لله والنعمة لك والملك لا شريك لك، قال الله تعالى يا أمّة محمد إنّ رحمتي سبقت غضبي وعفوي عقابي قد أعطيتكم قبل أن تسألوني وقد أجبتكم من قبل أن تدعوني وقد غفرت لكم من قبل أن تستغفروني من جاء يوم القيامة بشهادة أن لا إله إلا الله وأنّ محمداً عبدي ورسولي دخل الجنة وإن كانت ذنوبه أكثر من زبد البحر.
تنبيه: قال البيضاوي: لعل المراد به أي: بقوله تعالى: {وما كنت بجانب الطور إذ نادينا} (القصص: 46)
وقت ما أعطاه التوراة وبالأول أي: قوله تعالى: {وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا} حيث استنبأناه لأنهما المذكوران في القصة وقوله تعالى {لتنذر} أي: لتحذر تحذيراً كثيراً {قوماً} أي: أهل قوّة ونجدة ليس بهم عائق عن أعمال الخير العظيمة إلا الإعراض عنك، وهم العرب ومن في ذلك الزمان من الخلق يتعلق بالفعل المحذوف {ما أتاهم} وعمم النفي بزيادة الجار في قوله تعالى: {من نذير} وزيادة الجار في قوله تعالى {من قبلك} يدل على الزمن القريب وهو زمن الفترة بينه وبين عيسى عليهما الصلاة والسلام وهو خمسمائة وخمسون سنة ونحو هذا قوله تعالى: {لتنذر قوماً ما أنذر آباؤهم} (يس: 6)
وقيل: ليس المراد زمن الفترة بل ما بينه وبين إسماعيل عليهما السلام على أنّ دعوة موسى وعيسى كانت مختصة ببني إسرائيل وما حولهم {لعلهم يتذكرون} أي: يتعظون.
{ولولا أن تصيبهم} أي: في وقت من الأوقات {مصيبة} أي: عظيمة {بما قدّمت أيديهم} أي: من المعاصي التي قضينا بأنها مما لا يعفى عنها {فيقولوا ربنا} أي: أيها المحسن إلينا {لولا} أي: هلا ولم لا {أرسلت إلينا} أي: على وجه التشريف لنا لنكون على علم بأنا ممن يعتني الملك الأعلى به {رسولاً} وأجاب التحضيض الذي شبهوه بالأمر ليكون كل منهما باعثاً على الفعل بقوله تعالى: {فنتبع} أي: فيتسبب عن إرسال رسولك أن نتبع {آياتك ونكون} أي: كوناً هو في غاية الرسوخ {من المؤمنين} أي: المصدقين لك في كل ما أتى به عنك رسولك تنبيه (لولا) الأولى: امتناعية وجوابها محذوف تقديره كما قال الزجاج ما أرسلنا إليهم رسولاً يعني أنّ الحامل على إرسال الرسل إزاحة عللهم بهذا القول فهو كقوله تعالى: {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل} (النساء: 165)
والثانية: تحضيضية ونتبع جوابها كما مرّ فلذلك أضمر أن، فإن قيل: كيف استقام هذا المعنى وقد جعلت العقوبة هي السبب في الإرسال لا القول لدخول حرف الامتناع عليها دونه؟.d
أجيب: بأنّ القول هو المقصود بأن يكون سبباً للإرسال ولكنّ العقوبة لما كانت هي السبب للقول وكان وجوده بوجودها جعلت العقوبة كأنها سبب للإرسال بواسطة القول فأدخلت عليها (لولا) وجيء بالقول معطوفاً عليها بالفاء المعطية معنى السببية ويؤول معناه إلى قولك ولولا قولهم هذا إذا أصابتهم مصيبة لما أرسلنا ولكن اختيرت هذه الطريقة لنكتة وهي أنهم لو لم يعاقبوا مثلاً على كفرهم وقد عاينوا ما ألجؤا به إلى العلم اليقيني ببطلان دينهم لم يقولوا لولا أرسلت إلينا رسولاً بل إنما يقولون إذا نالهم العقاب، وإنما السبب في قولهم هذا هو العقاب لا غير لا التأسف على ما فاتهم من الإيمان بخالقهم عز وجل
الصفحة 104
604