كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)

*هل أنت باعث دينار لحاجتنا ... أو عبد رب أخا عون بن مخراق*
أي: هل أنت حث على إرسال دينار أو عبد رب، اسمي رجلين، والثاني منصوب على محل الأوّل، وأخا عون منادى أو عطف بيان له، وعليه اقتصر الكشاف.

{لعلنا نتبع السحرة} أي: في دينهم {إن كانوا هم الغالبين} أي: لموسى في دينه ولا نتبع موسى في دينه، وليس غرضهم اتباع السحرة وإنما الغرض الكلي أن لا يتبعوا موسى فساقوا الكلام مساق الكناية لأنهم إذا اتبعوهم لم يكونوا متبعين لموسى، وقيل: أرادوا بالسحرة موسى وهارون وقالوا ذلك على طريق الاستهزاء وعبر بالفاء في قوله:
{فلما جاء السحرة} أي: الذين كانوا في جميع بلاد مصر إيذاناً بسرعة حشرهم لضخامة ملكه ووفور عظمته {قالوا لفرعون} مشترطين الأجر في حال الحاجة إلى الفعل ليكون ذلك أجدر بحسن الوعد ومجاز القصد {آئن لنا لأجراً إن كنا نحن الغالبين} موسى، وأتوا بأداة الشك مع جزمهم بالغلبة تخويفاً له بأنه إن لم يحسن في وعدهم لم ينصحوا له.
{قال} مجيباً إلى ما سألوا {نعم} لكم ذلك، وقرأ الكسائي بكسر العين، والباقون بالفتح وزادهم بما لا أحسن منه عند أهل الدنيا مؤكداً بقوله {وإنكم إذاً} أي: إذا غلبتم {لمن المقربين} أي: عندي، وزاد إذاً هنا زيادة في التأكيد، ولما قال لهم فرعون ذلك قالوا لموسى {إمّا أن تلقي وإمّا أن نكون نحن الملقين} (الأعراف، 115) .

{قال لهم موسى} أي: مريداً لإبطال سحرهم لأنه لا يتمكن منه إلا بإلقاءهم {ألقوا ما أنتم ملقون} فإن قيل: كيف أمرهم بفعل السحر؟ أجيب: بأنه لم يرد بذلك أمرهم بالسحر والتمويه بل الأذن بتقديم ما هم فاعلوه لا محالة توسلاً به إلى إظهار الحق.

{فألقوا} أي: فتسبب عن قول موسى ج وتعقبه أن ألقوا {حبالهم وعصيهم} أي: التي أعدّوها للسحر {وقالوا} مقسمين {بعزة فرعون} وهي من أيمان الجاهلية، وهكذا كل حلف بغير الله، ولا يصح في الإسلام إلا الحلف بالله تعالى أو باسم من أسمائه أو صفة من صفاته كقولك والله والرحمن ورب العرش وعزة الله وقدرة الله وجلال الله وعظمة الله، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا تحلفوا بآبائكم ولا بأمهاتكم ولا بالطواغيت ولا تحلفوا إلا بالله ولا تحلفوا بالله إلا وأنتم صادقون» ولقد استحدث الناس في هذا الباب في إسلامهم جاهلية نسبت لها الجاهلية الأولى، وذلك أن الواحد منهم لو أقسم بأسماء الله كلها وصفاته على شيء لم يقبل منه ولم يعتد بها حتى يقسم برأس سلطانه، فإذا أقسم به فتلك عندهم جهد اليمين التي ليس وراءها حلف لحالف، ثم إنهم أكدوا يمينهم بأنواع من التوكيد بقولهم: {إنا لنحن} أي: خاصة لا نستثني {الغالبون} وذلك لفرط اعتقادهم في أنفسهم، أو لإتيانهم بأقصى ما يمكن أن يؤتى به من السحر.
{فألقى} أي: فتسبب عن صنع السحرة وتعقبه أن ألقى {موسى عصاه} التي جعلت آية له وتسبب عن إلقائه قوله تعالى: {فإذا هي تلقف} أي: تبتلع في الحال بسرعة وهمة {ما يأفكون} أي: ما يقلبونه عن وجهه وحقيقته بسحرهم وكيدهم ويزوّرونه فيخيلون في حبالهم وعصيهم أنها حيات تسعى بالتمويه على الناظرين أو إفكهم، سمى تلك الأشياء إفكاً مبالغة، وقرأ حفص بسكون اللام وتخفيف القاف، وقرأ الباقون بفتح اللام وتشديد القاف، وشدّد البزي التاء في الوصل

الصفحة 11