كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
الملك الذي الأمر كله بيده من الغنى والثروة {الدار الآخرة} بأن تقوم بشكر الله فيما أنعم الله عليك وتنفقه في رضا الله تعالى فيجازيك بالجنة {ولا تنس} أي: ولا تترك {نصيبك من الدنيا} قال مجاهد: لا تترك أن تعمل في الدنيا للآخرة حتى تنجو من العذاب لأنّ حقيقة نصيب الإنسان من الدنيا أن يعمل للآخرة، وقال السدّيّ: بالصدقة وصلة الرحم.
وقال عليّ رضي الله تعالى عنه وكرم الله وجهه لا تنسى صحتك وقوّتك وشبابك وغناك أن تطلب بها الآخرة، روي أنه صلى الله عليه وسلم قال فليأخذ العبد من نفسه لنفسه ومن دنياه لآخرته ومن الشبيبة قبل الكبر ومن الحياة قبل الموت فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب ولا بعد الدنيا دار إلا الجنة والنار، وعن ميمون الأزدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل وهو يعظه «اغتنم خمساً قبل خمس شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك وغناك قبل فقرك وفراغك قبل شغلك وحياتك قبل موتك» ، وقال الحسن: أمر أن يقدّم الفضل ويمسك ما يغنيه، وقال منصور بن زادان قوتك وقوت أهلك {وأحسن} أي: أوقع الإحسان بدفع المال إلى المحاويج والإنفاق في جميع الطاعات ويدخل في ذلك الإعانة بالجاه وطلاقة الوجه وحسن اللقاء وحسن الذكر {كما أحسن الله} الجامع لصفات الكمال {إليك} بأن تعطي عطاء من لا يخاف الفقر كما أوسع الله عليك {ولا تبغ} أي: ولا ترد إرادة ما، {الفساد في الأرض} بتقتير ولا تبذير ولا تكبر على عباد الله تعالى ولا تحقير، ثم أتبع ذلك علته مؤكداً لأنّ أكثر المفسدين يبسط لهم في الدنيا وأكثر الناس يستبعد أن يبسط فيها لغير محبوب فقيل {إن الله} أي: العالم بكل شيء القدير على كل شيء {لا يحب المفسدين} أي: لا يعاملهم معاملة من يحبه، وقيل أن القائل له هذا موسى عليه السلام، وقيل مؤمنو قومه، وكيف كان فقد جمع في هذا الوعظ ما فيه مزيد لكنه أبى أن يقبل بل زاد
عليه كفر النعمة بأن. {قال} أي: قارون في الجواب {إنما أوتيته} أي: هذا المال {على علم} حاصل {عندي} فإنه كان أعلم بني إسرائيل بالتوراة أي: فرآني له أهلاً ففضلني بهذا المال عليكم كما فضلني بغيره، وقيل هو علم الكيمياء، وقال سعيد ابن المسيب كان موسى يعلم الكيمياء فعلَّم يوشع بن نون ثلث ذلك العلم وعلَّم كالب ابن يوفنا ثلثه وعلَّم قارون ثلثه فخدعهما قارون حتى أضاف علمهما إلى علمه فكان ذلك سبب أمواله، وقيل على علم عندي بالتصرف في التجارات والزراعات وأنواع المكاسب، ثم أجاب الله تعالى: عن كلامه بقوله تعالى: {أو لم يعلم أنّ الله} أي: بما له من صفات الجلال والعظمة والكمال {قد أهلك} وقوله تعالى: {من قبله من القرون} فيه تنبيه على أنه لم يتعظ مع مشاهدته للمهلكين الموصوفين مع قرب الزمان وبعده وقوله تعالى: {ومن هو أشدّ منه قوة} أي: في البدن والمعاني من العلم وغيره والأنصار والخدم {وأكثر جمعاً} في المال والرجال آخرهم فرعون الذي شاهده في ملكه وحقق أمره يوم هلكه فيه تعجيب وتوبيخ على اغتراره بقوّته وكثرة ماله مع علمه بذلك لأنه قرأ في التوراة وكان أعلمهم بها وسمعه من حفاظ التواريخ واختلف في معنى قوله عز وجل: {ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون} فقال قتادة يدخلون النار بغير سؤال ولا حساب، وقال مجاهد لا تسأل الملائكة عنهم لأنهم يعرفونهم بسيماهم وقال الحسن: لا يسئلون سؤال
الصفحة 118
604