كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
وقومه أجمعين بانطباق البحر عليهم لما تم دخولهم البحر وخروج بني إسرائيل منه، ويقال هذا البحر بحر القلزم، وقيل: هو بحر من وراء مصر يقال له أساف.
{إنّ في ذلك} أي: الأمر العظيم العالي الرتبة من قصة موسى وفرعون وما فيها من العظات {لآية} أي: علامة عظيمة دالة على قدرة الله تعالى لأنّ أحداً من البشر لا يقدر عليه وعلى حكمته وكون وقوعه مصلحة في الدين والدنيا أو على صدق موسى لكونه معجزة له وعلى التحذير عن مخالفة أمر الله تعالى ورسوله عليه السلام، وفي ذلك تسلية للنبيّ صلى الله عليه وسلم لأنه قد بغتم بتكذيب قومه معه ظهور المعجزات عليه فنبه الله تعالى بهذا الذكر على أنّ له أسوة بموسى وغيره {وما كان أكثرهم} أي: أهل مصر الذين شاهدوها والذين وعظوا بسماعها {مؤمنين} أي: متصفين بالإيمان الثابت، أما القبط فما آمن منهم إلا السحرة ومؤمن آل فرعون وامرأة فرعون والمرأة التي دلتهم على عظام يوسف عليه السلام، وأما بنو إسرائيل فكان كثير منهم متزلزلاً يتعنت كل قليل ويقول ويفعل ما هو كفر حتى تداركهم الله تعالى على يدي موسى عليه السلام ومن بعده، وأول ما كان من ذلك سؤالهم إثر مجاوزة البحر أن يجعل لهم إلهاً كالأصنام التي مرّوا عليها، وأمّا غيرهم ممن تأخر عنهم فحالهم معروف وأمرهم مشاهد مكشوف فقد سألوه بقرة يعبدونها واتخذوا العجل وطلبوا رؤية الله جهرة.
{وإن ربك} أي: المحسن إليك بإعلاء أمرك واستنقاذ الناس من ظلام الجهل على يدك {لهو العزيز} أي: القادر على الانتقام من كل فاجر {الرحيم} بعباده لأنه تعالى أفاض عليهم نعمه وكان قادراً على أن يهلكهم، فدل ذلك على كمال رحمته وسعة جوده وفضله. ولما أتم سبحانه وتعالى ما أراد من قصة موسى عليه السلام ليعرف محمداً صلى الله عليه وسلم أن تلك المحن التي أصابته كانت حاصلة لموسى، أتبعه دلالة على رحمته وزيادة في تسلية نبيه قصة إبراهيم عليه السلام وهي القصة الثانية بقوله تعالى:
{واتل} أي: اقرأ قراءة متتابعة يا أشرف الخلق {عليهم} أي: كفار مكة وقوله تعالى: {نبأ} أي: خبر {إبراهيم} قراءة نافع وابن كثر وأبو عمرو في الوصل بتسهيل الهمزة الثانية، وحققها الباقون، وفي الابتداء بالثانية الجميع يحققون ويبدل منه.
{إذ} أي: حين {قال لأبيه وقومه} منبهاً لهم على ضلالهم لا مستعلماً لأنه كان عالماً بحقيقة حالهم ولكنه سألهم بقوله: {ما} أي: أي شيء {تعبدون} أي: تواطئون على عبادته ليريهم أن ما يعبدونه ليس من استحقاق العبادة في شيء كما تقول للتاجر ما مالك وأنت تعلم أن ماله الرقيق، ثم تقول الرقيق جمال وليس بمال.
{قالوا} في جوابه {نعبد أصناماً} ، فإن قيل: قوله عليه السلام ما تبعدون سؤال عن المعبود فحسب،
الصفحة 16
604