كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)

منها أحد، وهذا معنى قول سعيد بن المسيب. السليم: هو الصحيح وهو قلب المؤمن فإن قلب الكافر والمنافق مريض، قال تعالى: {في قلوبهم مرض} (البقرة: 10)

الثالث: أنه الذي سلم وسلّم وأسلم وسالم واستسلم، الرابع: أنه هو اللديغ أي: القلق المنزعج من خشية الله، لكن قال الزمخشريّ: أنّ القولين الأخيرين من بدع التفاسير، وقوله تعالى:

{وأزلفت الجنة} حال من واو يبعثون، ومعنى أزلفت قربت أي: قربت الجنة {للمتقين} فتكون قريبة من موقف السعداء ينظرون إليها ويفرحون بأنهم المحشورون إليها زيادة إلى شرفهم.
{وبرّزت الجحيم} أي: كشفت وظهرت النار الشديدة {للغاوين} أي: الكافرين فيرونها مكشوفة ويحشرون على أنهم المسوقون إليها زيادة في هوانهم.
تنبيه: في اختلاف الفعلين بترجيح لجانب الوعد على الوعيد حيث قال في حق المتقين وأزلفت أي: قربت وفي حق الغاوين وبرّزت أي: أظهرت ولا يلزم من الظهور القرب.
{وقيل لهم} تبكيتاً وتنديماً وتوبيخاً، وأبهم القائل ليصلح لكل أحد تحقيراً لهم، ولأنّ المراد نفس القول لا كونه من معين {أينما} أي: أين الذي {كنتم تعبدون} في الدنيا، ثم حقر معبوداتهم بقوله تعالى:
{من دون} أي: من أدنى رتبة من رتب {الله} أي: الملك الذي لا كفء له، وكنتم تزعمون أنهم يشفعون لكم ويقونكم شرّ هذا اليوم {هل ينصرونكم} بدفع العذاب عنكم {أو ينتصرون} بدفعه عن أنفسهم.
{فكبكبوا} أي: فتسبب عن عجزهم أن ألقوا {فيها} أي: في مهواة الجحيم {هم} أي: الأصنام وما شابهها من الشياطين ونحوهم {والغاوون} أي: الذين ضلوا بهم، والكبكبة: تكرار الكب لتكرير معناه كأنّ من ألقى في النار ينكب مرّة بعد أخرى حتى يستقرّ في قعرها، وقال الزجاج: طرح بعضهم فوق بعض، وقال القتيبي: ألقوا على رؤوسهم.
{وجنود إبليس} وهم اتباعه ومن أطاعه من الإنس والجنّ، وقيل ذريته {أجمعون} ولما لم يتمكنوا من قول في جواب استفهامهم قبل إلقائهم.
{قالوا} أي: العبدة {وهم فيها} أي: الجحيم {يختصمون} أي: مع المعبودات وقولهم:
{تالله} أي: الذي له جميع الكمال {إن كنا لفي ضلال مبين} أي: ظاهر جدّاً لمن كان له قلب سليم معمول قولهم وما بينهما، وهو وهم فيها يختصمون جملةً حاليةً معترضةً بين القول ومعموله وقيل: إنّ الأصنام تنطق وتخاصم العبدة، ويؤيده الخطاب في قولهم:

{إذ} أي: حين {نسويكم برب العالمين} في استحقاق العبادة.
تنبيه: إذ منصوب إما بمبين أو بمحذوف أي: ضللنا في وقت تسويتنا لكم بالله في العبادة.
{وما أضلنا} أي: ذلك الضلال المبين عن الطريق البين {إلا المجرمون} أي: الأولون الذين اقتدينا بهم من رؤسائنا وكبرائنا كما في آية أخرى {ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلاً} (الأحزاب: 67)

وعن ابن جريح: إبليس وابن آدم الأوّل وهو قابيل وهو أوّل من سنّ القتل وأنواع المعاصي.
{فما} أي: فتسبب عن ذلك أنه ما {لنا} اليوم وزادوا في تعميم النفي بزيادة الجار فقالوا {من شافعين} يكونون سبباً لإدخالنا الجنة كالمؤمنين تشفع لهم الملائكة والنبيون.
{ولا صديق حميم} أي: قريب يشفع لنا يقول ذلك الكفار حين تشفع الملائكة والنبيون والمؤمنون، والصديق: هو الصادق في ودادك الذي يهمه

الصفحة 21