كتاب السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير (اسم الجزء: 3)
*حلائل أسودين وأحمرين*
وقال ابن عطية: جمع أعجم، يقال الأعجمون جمع أعجم وهو الذي لا يفصح وإن كان غربيّ النسب يقال له أعجم وذلك يقال للحيوانات، ومنه قوله صلى الله عليه وسلم «جرح العجماء جبار» وأسند الطبريّ عن عبد الله بن مطيع أنه كان واقفاً بعرفة وتحته جمل فقال جملي هذا أعجم ولو أنه أنزل عليهم ما كانوا يؤمنون، ولما كان ذلك محل تعجب وكأنه ربما ظنّ له أنّ الأمر على خلاف حقيقته قرّر مضمونه وحققه بقوله تعالى:
{كذلك} أي: مثل إدخالنا التكذيب به بقراءة الأعجم {سلكناه} قال ابن عباس والحسن ومجاهد: أدخلنا الشرك والتكذيب {في قلوب المجرمين} أي: كفار مكة بقراءة النبيّ صلى الله عليه وسلم وهذا يدل على أنّ الكل بقضاء الله تعالى وقدره، وقيل: الضمير في سلكناه عائد إلى القرآن، قال ابن عادل: وهو الظاهر أي: سلكناه في قلوب المجرمين كما سلكناه في قلوب المؤمنين ومع ذلك لم ينجع فيهم، وفي جملة.
{لا يؤمنون به} وجهان: أحدهما: الاستئناف على جهة البيان والإيضاح لما قبله، والثاني: أنها حال من الضمير في سلكناه أي: سلكناه غير مؤمن به أي: من أجل ما جبلوا عليه من الإجرام وجعل على قلوبهم من الطبع والختام {حتى يروا العذاب الأليم} أي: الملجئ للإيمان فحينئذ يؤمنون حيث لا ينفعهم الإيمان ويطلبون الأمان حيث لا أمان، ولما كان إتيان الشرّ فجأة أشدّ، قال تعالى:
{فيأتيهم بغتة وهم لا يشعرون} بإتيانه.
{فيقولوا} أي: تأسفاً واستسلاماً وتلهفاً في تلك الحالة لعلمهم بأنه لا طاقة به بوجه {هل نحن منظرون} أي: مفسوح لنا في آجالنا فنسمع ونطيع.
فإن قيل: ما معنى التعقيب في فيأتيهم بغتة فيقولوا؟ أجيب: بأنه ليس المعنى ترادف رؤية العذاب ومفاجأته وسؤال النظرة في الوجود، وإنما المعنى ترتبها في الشدّة، كأنه قيل: لا يؤمنون بالقرآن حتى يكون رؤيتهم للعذاب عما هو أشدّ منها وهو لحوقه بهم مفاجأة عما هو أشدّ منه وهو سؤالهم النظرة، مثال ذلك: أن تقول لمن تعظه: إن أسأت مقتك الصالحون فمقتك الله، فإنه لا يقصد بهذا الترتيب أن مقت الله يوجد عقب مقت الصالحين وإنما قصدك إلى ترتيب شدّة الأمر على المسيء، فإنه يحصل له بسبب الإساءة مقت الصالحين عما هو أشدّ من مقتهم وهو مقت الله، ونرى ثم تقع في هذا الأسلوب فيجمل موقعها، ولما أوعدهم النبيّ صلى الله عليه وسلم بالعذاب قالوا إلى متى توعدنا بالعذاب ومتى هذا العذاب قال الله تعالى:
{أفبعذابنا} أي: وقد تبين لهم كيف أخذه للأمم الماضية والقرون الخالية والأقوام العاتية {يستعجلون} أي: بقولهم: أمطر علينا حجارة أسقط علينا كسفاً من السماء ونحو ذلك.
{أفرأيت} أي: هب أنّ الأمر كما يعتقدون من طول عيشهم في النعيم فأخبرني {إن متعناهم} أي: في الدنيا برغد العيش وصافي الحياة {سنين} .
{ثم جاءهم} أي بعد تلك السنين المتطاولة والدهور المتواصلة {ما كانوا يودعون} من العذاب.
{ما} أي: أيّ شيء {أغنى عنهم} أي: فيما أخذهم من العذاب {ما كانوا يمتعون} برفع العذاب أو تخفيفه، أي: لم يغن عنهم طول التمتع شيئاً ويكون كأنهم لم يكونوا في نعيم قط، وعن ميمون بن مهران: أنه لقي الحسن في الطواف وكان يتمنى لقاءه فقال له عظني فلم يزد على تلاوة هذه الآية، فقال له ميمون لقد وعظت فأبلغت.
{وما أهلكنا من قرية} أي: من القرى السالفة بعذاب الاستئصال {إلا لها منذرون} أي: رسولهم
الصفحة 35
604